صنعاء/طارق الظليمي
قررت الشابة رئام الأكحلي أن تبدأ عامها الجديد بإطلاق أول أعمالها الأدبية التي عكفت عليه السنوات وهي لا تزال في مرحلتها الجامعية الأولى، لتحقق بذلك حلمًا منتظرًا منذ الصبى.
وقّعت الأكحلي رواية "شجرة البتولا" في الـ3 من يناير/ كانون الثاني 2021. تشمل خمسة فصول في قرابة 260 صفحة، بسرد قصصي مبتكر يدور حول خمس حيوات مختلفة القضية والرسالة، فيما تلتقي خيوط الحبكة في الفصل الأخير ضمن تسلسل قصصي مدهش.
دافع وخوف
تقول:"كان لدي دافع كبير لكتابة الرواية التي جاءت فكرتها من الواقع، إلا أن فترة الكتابة هذه كانت صعبة جدًا خلال السنوات الخمس التي استغرقتها"، رغم تخوفها من عدم الاهتمام بالأدب النسوي الذي لم يجد استحقاقه في الدعم.
وواجهت الشابة العشرينية صعوبات جمة في طباعة أولى إبداعاتها الأدبية، جراء التكلفة المالية لدور النشر قبل أن يوافق دار التكوين في المملكة العربية السعودية على طباعتها دون أرباح.
تحرص الأكحلي في نصح الأديبات من الشباب "يجب أن يتمسكن بحلمهن جيدًا، وأن لا يسمحن لأحد أن يسلبهن هذا الحلم"، مضيفة "قاتلن حتى الرمق الأخير؛ لأن النتيجة مدهشة في النهاية".
لم تختلف انتصار السري كثيرًا، حيث بدأت موهبتها الأدبية منذ المراحل الدراسية الأولى، لكنها أبدت حرصًا نحو قراءة مكثفة لفنون السرد والقصص العربية والعالمية قبل إصدار عملها الأول منذ عشر سنوات.
تشجيع الأسرة
السري كانت محظوظة بنشأتها في أسرة تحب القراءة: "والدي غرس فيّ حب القراءة، كان يمدني بقصص الأطفال والكتب منذ نعومة أظافري".
تضيف:"وقوفه [والدها] بجواري وتشجيعي على الكتابة والنشر أتاح لي حرية اختيار مسار حياتي العملي"، ما أتاح لها إصدار أربع مجموعات قصصية، نالت على إثرها جوائز محلية و عربية.
لكن انتصار لا تخفي مواجهتها عوائق مجتمعية، فيما واصلت المضي قُدمًا لمزيد القراءة والكتابة التي تصفهما بـ"الهواء الذي أتنفس به".
تراجع واختفاء
تعود أسباب تراجع الأدب النسوي في اليمن إلى عدم استقرار البلد، واختفاء المنابر الثقافية، ومعارض الكتاب والمهرجانات والمشاركات الداخلية والخارجية التي توقفت بشكل كامل جراء الحرب التي تدخل عامها السادس على التوالي، ما سبب غيابًا شبه كلي للأقلام النسوية "جعلت من حضور الأديبات اليمنيات كامنًا وليس غائبًا"، وفق الدكتورة ابتسام المتوكل أستاذ النقد العربي بجامعة صنعاء.
تقول:"التحدي الأكبر هو الاستمرارية والجو غير المؤقت الذي تظهر وتختفي فيه الأديبة بفعل الارتباط الأسري وتحكم الجانب الذكوري في حياتها، كما إنها تمضي في بيئة تكاد تكون منعدمة لحضورها واستقلاليتها".
تشير المتوكل، وهي شاعرة يمنية معروفة، إلى صعوبات تواجه المرأة منها النظرة الاجتماعية بصورة نمطية لحضورها كمبدعة فيما لا تجد ذاتها حرة متمرسة خارج المسموح، ما يجعل خوضها في عالم الكتابة والأدب غير مرغوب به.
وتضيف "اشتهرت الأديبة اليمنية في كتابة تفاصيل ذات طابع أنثوى للحياة، ومحاولة التعبير عن المرأة كونها موضوع للأدب، كما كان يحدث من قبل، إلى جوار تعبيرها في كتابتها الأدبية عن الرجل والمجتمع، لكن ثمة محظورات كثيرة غابت الكاتبة عنها من بينها السياسة الجافة (المؤدلجة) التي تتضمن الحديث عن الجنس والدين".
وتضع الشاعرة اليمنية وجود بيئة داعمة للنساء وتوسيع نظرة المجتمع للمرأة، على رأس أولوية المساندة للمرأة إلى جانب إشعارها بالأمان من قبل المجتمع وفتح منابر ثقافية ليست مغلقة على الرجل فقط؛ لان المرأة بمفردها لا تستطيع تحقيق الهدف، حد تعبيرها.
قيود مجتمعية
ويوافق عبدالباري طاهر وهو نقيب الصحفيين اليمنيين الأسبق رأي المتوكل بأن عملية ظهور الأديبات واختفائهن يعود للمجتمع، مؤكدًا أن الأمر يرتبط بالواقع والقيود المجتمعية أيضًا، بالإضافة إلى غياب الحريات العامة والديموقراطية والقوانين والقيم والأعراف العتيقة.
"ظل الأدب اليمني خال من النساء حتي منتصف القرن العشرين، عندما ظهرت الصحافة العدنية خصوصًا فتاة الجزيرة والفجر، من هنا برزت نساء ناشطات في الحياة المدنية والثقافية والسياسية"،يضيف.
بدايات وظهور
وبحسب طاهر، أصدرت مجموعة من النساء أول مجلة نسائية في شبة الجزيرة العربية حملت اسم "فتاة شمسان" عام 1960، ترأست تحريرها ماهية نجيب واستمرت حتى العام1966، مشيرًا إلى أبرز الكاتبات في مراحل باكرة كرضية حسان الله، ورضية شمشير، وسميرة عزام، ووفاء حسن، ونجيبة مسيبلي وفوزية عبدالرزاق.
ومثلت ثورتا سبتمبر وأكتوبر, مستهل ستينيات القرن المنصرم، نقلة نوعية في نشاط المرأة وازدهار الأدب النسوي في اليمن، بعد التحاق أعداد كبيرة منهن بالمدرسة وانخراطهن في العمل، كما ساعدت المرحلة الثورية حينها على إبراز أدبيات ومثقفات كُثُر في مناطق إبداعية مختلفة، وفقًا لـ طاهر.
وتشكل الحركة الأدبية النسائية نحو 30 بالمائة من إجمالي الكتاب اليمنيين البالغ عددهم700 أديب تقريبًا، لكن التوسع الأدبي نسويًا تراجع خلال الـ6 سنوات الأخيرة؛ جراء الحرب التي سببت انعدام الحالة المزاجية والأجواء التي يحتاجها الكاتب أو الكاتبة، وفقا لـ وكيل الهيئة العامة للكتاب في العاصمة صنعاء زيد الفقيه.
يضيف:"الأدب النسائي اقتصر في الرواية والقصة والشعر، بعكس الرجل الذي أحدث طفرة أدبية كبيرة على كافة الأصعدة".
وبحسب الفقيه "منذ عام 1927 وحتى 2020، بلغ عدد الأديبات في اليمن 40 روائية وشاعرة و قاصة، إلا أن عشرًا منهن غادرن الكتابة وقطعن التواصل نهائيًا مع الأسرة الأدبية بعد ماخضن غمار الزواج في مجتمع يرفض هذا النوع من العمل النسائي".
نبضات قلب.. نبيل
تشير مصادر نقدية أن أول نص في الأدب النسوي يمنيًا كان نصًا قصصيًا، نشرته صحيفة "اليقظة" العدنية في أكتوبر/تشرين الأول 1957 تحت عنوان "نبيل" لكاتبة وقّعت اسمها بـ"أم حمزة".
من جهتها ،كانت شفيقة زوقري توجت الأدب النسوي بإصدار أول مجموعة قصصية بعنوان "نبضات قلب" عام 1970 في اليمن الجنوبي حينها، قبل أن تلحق بها رمزية الإرياني من اليمن الشمالي بإطلاق أول أقصوصة حملت اسم "لعله يعود" نشرتها من دمشق في عام 1981.