علا محمد
كان حلم أروى فضل، 40 عامًا، الدفاع عن حقوق الناس ومناصرة قضايا السلام، لكنّ الرياح لا تأخذ الاتجاه المرغوب طيلة الوقت، فقد أدى وفاة والدها إلى تحملها المسؤولية منذ وقت مبكر، وكان عليها الجمع بين استكمال دراستها والقيام بواجبها إزاء الأسرة.
تقول أروى مستذكرة: "البداية كانت في المرحلة الثانوية من خلال تشكيل مجموعات نتشارك فيها معًا شراء الطعام والهدايا، ثم القيام بتوزيعها خلال زياراتنا لدار الأيتام والعجزة ومستشفيات الأمراض النفسية"، وتضيف: "انضممت بعدها إلى مجلس الطلاب للدفاع عن حقوقهم، والتحدث عن مشاكلهم وقضاياهم، وشاركت في عدد من الوقفات الاحتجاجية ضد رفع الأسعار والمُطالِبة بحق العيش الكريم".
توقفت أروى عن ممارسة نشاطها الميداني والحقوقي بعد الثانوية، فعملت كمدرسة للقيام بمسؤوليتها تجاه أخواتها وتعليمهنّ والاهتمام بهنّ، وبعد زواجها لم يسمح لها زوجها بدخول اختبار القبول لكلية الشريعة والقانون، فاكتفت بالاهتمام بمنزلها وأطفالها.
نقطة تحول
"أنت تدافعينّ عن الناس وتناصرينّ قضاياهم، فاكتبي وانتصري على الظلم الذي واجهته"، فتحت هذه الكلمات التي انطلقت من فم زوجها بوابة الحلم من جديد لأروى، لتبدأ مناصرة قضايا المتعرضين للعنف والتعذيب، فبعد فترة قصيرة اختفى زوج أروى، لتبدأ هي رحلة البحث عنه، تقول: "في البدء تملكني شعور بالصدمة والعجز، لكنني قاومت وعزمت على مواجهة الواقع الجديد. أب وأم في المنزل، وباحثة عن زوج مخفي قسرًا، وناشطة لإيصال أصوات أمهات وأخوات المخفيين".
"ملف المخفيين قسرًا من أهم الملفات التي تحتاج إلى تكاتف الجميع لمعرفة مصيرهم، وحصولهم على محاكمة عادلة في حالة إثبات أنهم مذنبون"
خرجت أروى للمشاركة في الوقفات الاحتجاجية مع أمهات وزوجات وأخوات المخفيين الآخرين، وألهمتها تلك المشاركات بإتباع أسلوب مختلف، "لاحظت خلال مشاركاتي في الوقفات أن هناك كثير من النساء لا يستطعنّ إيصال شكاويهنّ، والتعبير عمّا بداخلهنّ، فأدركت أن علينا التفكير بطريقة مختلفة".
اتجهت أروى إلى المشاركة في الندوات القانونية وورش العمل الخاصة بقضايا المرأة، كما شاركت بفعالية مع رابطة أمهات المختطفين قسرًا، كما تقول، وتضيف: "شاركت في أكثر من عمل ميداني وعدد من الورش والندوات، وساعدت العديد من الأسر على إيصال أصواتها، وكنت مع كل تلك الأنشطة أساعد نفسي على تقبل فكرة اختفاء زوجي وبعده عني".
رصيد
راكمت أروى رصيدًا من الأنشطة والمشاركات حتى غدت واحدة من الناشطات البارزات في المجال الحقوقي الإنساني.
يقول المدير التنفيذي لمنظمة كرامة لحقوق الإنسان، أنور اليافعي: "بدأت أروى النشاط الحقوقي بعد تعرض زوجها للإخفاء القسري، وكانت من أبرز المشارِكات في الأنشطة والفعاليات التي قامت بها رابطة أمهات المخفيين قسرًا".
"هناك تجاهل لأصوات النساء من قبل بعض الجهات المعنية، الأمر الذي يضطرنا إلى تكرار الوقفات الاحتجاجية أمام بيوت أصحاب القرار ومقرات عملهم"
مضيفًا: "مع الخبرة والوقت توسع نشاط أروى ليصل إلى التواصل مع المنظمات الحقوقية المحلية والدولية والجهات الأمنية والقضائية، فعملت على استعادة راتب زوجها المخفي، واهتمت بأسرتها، وبذلت جهودًا مع أخواتها من رابطة أمهات وزوجات المخفيين قسرًا في البحث عن مصير أبنائهنّ وأزواجهنّ".
ويفيد اليافعي: "تنجز أروى أي تكليف أو نشاط يقدم لها، وتعمل على رصد الانتهاكات التي تطال الأشخاص والنساء والأطفال".
"لا تستطيع البوح"
مجالات المناصرة والعمل الإنساني واسعة وكثيرة، تقول أروى مضيفة: "قليل ما نجد نساء مناصرات لقضايا المخفيين قسرًا والمسجونين ظلمًا من الرجال".
وتوضح: "من خلال تجربتي في البحث عن زوجي، تعرفت على بعض الأسر التي لا تستطيع البوح بمظلومية وقعت على أحد أفرادها من الرجال؛ بسبب الخوف من عدم تقبل المجتمع لصوت امرأة تتكلم وتندد بشأنهم؛ ولكون الأمر لا يخلو من مراجعات في السجون والجهات الأمنية المكتظة بالرجال".
تحديات وصعوبات
تقول الناشطة الحقوقية سلوى بن بريك إن الصعوبات كثيرة ومقلقة في ظل ضعف الحالة الأمنية في البلد، "الأمر الذي يجعلنا نخاف أكثر على مصير هؤلاء المخفيين قسرًا"، مضيفة: "ملف المخفيين قسرًا من أهم الملفات التي تحتاج إلى تكاتف الجميع لمعرفة مصيرهم، وحصولهم على محاكمة عادلة في حالة إثبات أنهم مذنبون، وهذا حقهم الشرعي والقانوني".
وتكمل: "تواجه أمهات وزوجات المخفين قسرًا صعوبات كثيرة أبرزها الحالة النفسية والمادية بسبب فقدان العائل الوحيد للأسرة، فعندما يختفي الأبناء أو الآباء أو الأزواج، تفتقد الأسر لمن ينفق عليها، وتبدأ رحلة الجوع والتعب وصعوبات الحياة في ظل الارتفاع المخيف للأسعار والظروف الاقتصادية الصعبة".
"من خلال تجربتي في البحث عن زوجي، تعرفت على بعض الأسر التي لا تستطيع البوح بمظلومية وقعت على أحد أفرادها من الرجال"
وتفيد بن بريك من واقع عملها كناشطة: "هناك تجاهل لأصوات النساء من قبل بعض الجهات المعنية، الأمر الذي يضطرنا إلى تكرار الوقفات الاحتجاجية أمام بيوت أصحاب القرار ومقرات عملهم للضغط عليهم بشأن الإفصاح عن مصير المخفيين".
بن بريك طالبت بإعادة تفعيل القضاء واختيار شرائح تمتلك حسًا وطنيًا وإنسانيًا وقانونيًا جيدًا، كما تقول؛ "للعمل على هذا الملف الشائك، ولتجاوز ولو بعض العوائق التي تحول دون معرفة الأهالي بأحوال المخفيين، وكذا حصول المخفيين على حقوقهم الدستورية والقانونية في محادثة أهاليهم، وتحويلهم إلى الجهات القضائية".
للسنة السادسة على التوالي تواصل أروى نشاطها الحقوقي بحثًا عن زوجها المخفي، ومناصرة لقضايا المخفيين قسرًا الآخرين إلى جانب رابطة أمهات المختطفين، تقول: "في كل مرة أزداد صلابة وصبرًا، فهذه قضيتي بل قضيتنا معًا كرابطة، ولا بد لأصواتنا ووقفاتنا أن تستمر حتى يحصل هؤلاء المخفيين على حقوقهم".