رأفت الوافي
يمثل العنف واحدٌ من أهم التحديات التي تواجه كافة الجهود الرامية لتحسين الواقع الاجتماعي والمعيشي للمرأة؛ لأسباب عدة كغياب الوعي والفهم والحرمان من الحقوق، الأمر الذي ينعكسَ سلبًا على النساء اليمنيات فيظل التمسك بالعادات والتقاليد التي تتغلب عن القوانين والتشريعات أحيانا.
حيث تلجأ العديد من الأسر اليمنية إلى عدم الأخذ بمشورة النساء عند الزوج، لاسيما التي يتغلب عليها الطابع القبلي رغم وجود كل النصوص التشريعية التي تنص وتؤكد حق المرأة بالقبول والرفض.
إذ تسبب ذلك، بأنه أفقد النساء المتعرضات للعنف، القدرة على الإبلاغ أو البحث عن وسائل الدعم والحماية اللازمة، وإعاقة وصولهن للعدالة، كل ذلك زاد من استضعافهن، وتبعيتهن للغير وقبولهن بما يتعرضن له من عنف.
عادات سائدة
تروي منى علي (28عامًا) قصتها وأرغمها على الزواج بعد أن تسببت الحرب من نزوحها من مدينة الخوخة التابعة لمحافظة الحديدة غرب اليمن إلى محافظة تعز جنوبا قائلة: "عندما اندلعت الحرب في الخوخة نزحت برفقة عائلتي إلى تعز وبدأت العمل في التدريس كمتعاونة في مدرسة قريبة من المنزل الذي أسكن فيه، وذات يوم تعرفت على صديقة بحكم أنني جديدة على المنطقة فبعد أسبوع تفاجأت بصديقتي وأخاها جاء لخطبتي فوافق أبي على الفور دون الرجوع إليّ".
وتتابع منى (اسم مستعار): "صدمت من موافقة أبي لشخص لا يعرفه سوا أنه تكلم عليه من حاضر معه أنه شخص ملتزم، لكنني سألتُ زملاء لي في التدريس، فحذروني منه، بأنه شخص غير مناسب وقد تزوج خمس مرات قبل ذلك".
بدأت مخاوف منى من الزواج بعد أن تلقت التحذيرات من زملاءها، لكن أسرتها لم تستوعب ذلك، وقبل أيام من موعد العقد أخبرت والدتها أن الشخص الذي تقدم لها غير مناسب، وأنها لا تستطيع إخبار والدها خوفًا منه، وطلبت منها إخباره لكن الأم تساهلت في ذلك، لتقرر المجازفة بإخبار والدها بنفسها.
"عندما أخبرت والدي برفضي لهذا الشخص، تفاجأت من مواجهته، وباشرني بالضرب والإهانة، وأجبرني على إتمام مراسيم الزفاف بالقوة".
زواج إجباري
لم يكن زواج منى يوحي بأي مؤشرات سعيدة فقد بني على الإكراه من البداية فمنذُ أول أيام زواجها بدأت تتلقي الضرب والتعنيف، وتتابع: "بعد أن وصلت مدينة عدن ثاني أيام الزفاف، تفاجأت بأنه تناول أشياء محرمة، وقام بضربي دون أي سبب، ثم حبسي في غرفة مظلمة لمدة ثلاث أيام"، مشيرة إلى أنها تواصلت مع أهلها في تعز وأبلغتهم بما حدث مباشرة، وبدورهم لم يتفهموا الأمر، ولم يستوعبوا إلا بعد عشرات الاتصالات.
"وصل أبي إلى عدن وشاهد آثار الضرب على جسدي وملقية على الفراش، تغيرت ملامحه وكأنه شعر بالندم حينها"، تقول منى.
تقول الإخصائية النفسية شيماء العز، إن من الأسباب التي تمنع الأهل من تصديق بناتهم من تعرضهن للعنف، هي الصورة النمطية لديهم، وباعتقادهم أن ذلك للمحافظة على سلامة الأسرة وعدم إفشاء الأسرار، موضحة بأنهم يعتقدون أنه لا يصح للزوجة التحدث عن الأشياء التي تحدث بينها وبين زوجها، بالإضافة إلى خوفهم من تعرضهم للعار والانتقادات من قبل المجتمع في حال وصلت المشاكل إلى الطلاق والانفصال.
بعد مرور 23 يومًا من الضرب والتعنيف أنتهى زواج منى لكن معاناتها لم تنتهي، فهي مخطئة برجوعها إلى أهلها وهي لم تتجاوز الشهر على عرسها، بنظر العادات والتقاليد المحيطة بها.
وقوبلت منى بعد عودتها وانفصالها، لنظرة قاصرة من بعض من يحيطون بها، ويرون في المطلقة عيب، ولا يرغب أحد بالزواج منها. كماتقول منى.
عنف متزايد
تتعدد القضايا وتختلف الأسباب التي تعاني منها المرأة لكنها تتوحد النتائج بالعنف والإكراه حتى أصبحَ خطرًا يؤرق الكثير من النساء، لاسيما المتزوجات اللواتي ينتهي بهن المطاف على أبواب المحاكم.
وتؤكد شيماء العز الأخصائية النفسية، بأن الآثار النفسية والشعور بالدونية واللوم، دفعت الكثيرين إلى الطلاق والانفصال ناهيك عن التعنيف الذي يعتبر سبباً جوهرياً يدفع الزوجة إلى طلب الطلاق.
بالإضافة إلى تعرض المرأة لمخاطر نفسية وجسدية تلحق بها عندما تتعرض للعنف، وتصيبها اضطرابات نفسية، كالقلق والاكتئاب والخوف، وقد تتطور حالتها لتصل إلى صدمة نفسية، وفق شيماء.
وتشير التقديرات الصادرة عن الأمم المتحدة إلى أن 736 مليون امرأة على مستوى العالم، أي واحدة من كل ثلاث نساء تقريبا، وقعن ضحايا للعنف الجسدي و/أو الجنسي مرة واحدة على الأقل في حياتهن. وأن هذه الآفة شملت بيئات مختلفة، بما في ذلك أماكن العمل والإنترنت وتفاقمت في السنوات الأخيرة بسبب آثار مابعد جائحة كورونا والصراعات وتغير المناخ.