محمد النظاري
بعد أكثر من خمسين عامًا على إجراء أول مكالمة هاتف محمول في التاريخ، ما زالت بعض النساء في اليمن غير قادرات على امتلاك هاتف شخصي.
فبعض أولياء الأمور يفرضون حظرًا على بناتهم أو زوجاتهم أو أخواتهم؛ لتصبح حياة هؤلاء النساء على المحك في حال قررنّ امتلاك هاتفٍ محمول، بل إن مشاريع زواج حُكم عليها بالفشل بسبب قرار كهذا.
"سعادة".. شابة تزوجت من قريبها الذي كانت تعلم أن أفكاره متشددة، وبأنه شخص متعصب، لكن أهلها أقنعوها به، وعلقوا آمالها بعبارة: "سيتغير بعد الزواج".
تقول سعادة: "إن ما حدث كان العكس؛ فقد فرض عليّ حصارًا ومنعني من استخدام المحمول الذي اشترته من مهري، وسلبي إياه بمبرر عدم حاجتي إليه طالما إني على ذمته".
وأوضحت أنها عندما قررت الاعتراض على قراره –الذي وصفته بـ"الظالم"– حطّم المحمول، محطمًا معه كل آمالها بأن يصلح حاله بعد الزواج؛ لذا قررت رفع دعوى ضده لفسخ النكاح.
سلطة ذكورية
الطالبة في كلبة التجارة الطالبة عائشة، اعترفت بعدم امتلاكها هاتفًا محمولًا؛ لأن أخاها، الذي هو بمقام ولي أمرها، رفض بشكل قطعي أن تمتلك محمولًا، بدعوى أنها قد تتعرض للتحرش، أو قد تقع فريسة لأحدهم.
وتقول عائشة متحسرة: "هذا الكلام مجرد مبرر ليفرض أخي حصاره وسلطته الذكورية عليّ؛ كون والدي مريض وأخي ينفق على الأسرة، رغم أني قادرة على حماية نفسي بوجود التليفون أو عدمه".
وتواصل: "لدي محمول استخدمه بالخفاء كأنه شيء مناف للأخلاق، أمي تعرف ذلك، لكن أخي حرّمه عليّ، وهدد بأن يضربني بكل قسوة في حال علم أن لديّ واحدًا".
شكوك الأزواج
يكشف المحامي اليمني خالد الكمال عن عدم وجود نص قانوني يمنع أي شخص من امتلاك هاتف محمول، وقال: "لكن بالرجوع إلى قانون الأحوال الشخصية اليمني فعلى المرأة أن تطيع زوجها عمومًا".
وأضاف الكمال: ويدخل في هذا طاعته إذا قرر عدم السماح لها بامتلاك هاتف محمول".
ويوضح: "واجهت كمحامٍ كثيرًا من الدعاوى المرفوعة من نساء لفسخ عقد النكاح بسب مشكلة المحمول، فاستخدام الزوجة للمحمول يُدخل بعض الرجال في حالة شك مستمرة، بأنها ربما تتواصل مع أشخاص لا صلة لها بهم؛ مما يثير غيرتهم وشكوكهم، عندها تنشأ الخلافات، التي قد تصل حد هدم الزواج من أساسه".
مبينًا أن أغلب الدعاوى في هذه الشأن تنتهي بالفسخ والطلاق.
ويستدرك: في بعض الحالات ينتهي الموضوع بالصلح حفاظًا على بيت الزوجية، حيث يتراجع الزوج عن قراره ويسمح لزوجته بامتلاك المحمول؛ لكن بشروط صارمة، كمنع برامج التواصل الاجتماعي والاقتصار على الاتصال فقط.
الوصول للطلاق
الأمين الشرعي أمين علي، يؤكد ما ذهب إليه المحاني الكمال، بالإشارة إلى إطلاعه –بحكم عمله الشرعي– على عديد خلافات أسرية بسبب المحمول، والتي انتهت في الغالب بالطلاق.
مشيرًا إلى أن هناك رجال عندهم "حساسية مفرطة" في مسالة امتلاك النساء للهواتف المحمولة، ومن الصعب إقناعهم بأن الأمر عادي، ومن حق المرأة استخدامه كوسيلة للتواصل.
تجارب نسائية
تحكي المصممة حنان الصلوي عن إحدى صديقاتها، طلبت منها أن تشتري لها هاتفًا محمولًا وشريحة باسمها؛ كون أهلها منعوها من استخدام المحمول.
لكن الصلوي رفضت شراء شريحة باسمها خوفًا من المساءلة القانونية، وتوضح أن صديقتها ما زالت منذ سنوات تتمنى الحصول على محمول.
بينما تتطلع "سارة" إلى موعد زفاها بفارغ الصبر؛ كي يتسنى لها امتلاك هاتفها الخاص، وقد وضعت هذا الأمر كأحد شروط الزواج غير المعلنة!.
وجهات نظر متباينة
"أنا أثق بزوجتي لكن لا أثق بالآخرين، فالهواتف المحمولة مصائد لاقتناص النساء، وأنا لن أسمح بالتحرش بامرأة تحت مسؤوليتي".. بهكذا عبّر سعيد محمد عن رأيه بخصوص السماح للمرأة باستخدام المحمول.
موضحًا أنه لا ضرورة لامتلاك المرأة هاتفًا شخصيًا، وفي حال احتاجت للاتصال فيمكنها استخدام محمول أحد أفراد أسرتها.
لكن عبد الرقيب علي يعارض هذا الرأي جملةً وتفصيلًا، معتبرًا أن المحمول الشخصي أصبح واقعًا لا بد ننه لأي إنسان بالغ، ولا يعقل ونحن في هذا الوقت، أن يكون هناك من يمنع المرأة من امتلاك محمول.
كاتب التقرير استطلع أراء عشرات الناس، من الرجال والنساء، استغرب 90 % منهم، وجود أشخاص ما زالوا يفكرون بمنع المرأة من استخدام المحمول، معتبرين أنه بات أمرًا لا مفر منه، بل إنه في كثير من الأحيان يكون مصدر رزق وليس مجرد وسيلة للتواصل.
في حين أشار 7 % من المُستطلعين إلى أن هناك من يسمح للنساء باستخدام المحمول لكن دون تنزيل تطبيقات التواصل الاجتماعي مثل: "الواتس، فيسبوك، وغيرها.. كونها برأيهم هي سبب المشكلة.
في حين اعتبر 3 % من عينة الاستطلاع بأنه من حق ولي الأمر منع نسائه من امتلاك المحمول، فهذا أمر يدخل في حدود مسؤوليته.
رأي شرعي
وعن الرأي الشرعي، يقول الشيخ عبد العزيز العزاني: إن مسألة منع المرأة بشكل كلي من امتلاك المحمول بالنظر لطبيعة الحياة ومتغيراتها التي تفرضها وظروف اللحظة، أمر غير مقبول.
ويتابع: "في الأوضاع التي يكون فيها المحمول مرتبطًا بمصدر رزق المرأة يتحول إلى ضرورة عملية، حيث يتطلب الأمر اتصالها بالإنترنت، أو استخدامه وتطبيقاته المختلفة".
وينبغي أن يكون الرجل عاقلًا ويعرف كيف يتخذ القرارات التي قد تؤثر على أفراد عائلته بشكل سلبي، بحسب الشيخ العزاني.
ويوضح: في حال كان التليفون ضرورة مُلِّحة للمرأة وستتأثر سلبًا في حال حرمانها منه، وسيقع عليها بعض الأضرار المالية أو الإدارية، وهي لا تعرف ثقافة الزوج وطبيعة تفكيره؛ فمن حقها وضع موضوع التليفون ضمن شروط الزواج.
تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع تعزيز دور وسائل الإعلام في دعم قضايا الصحة الإنجابية والعنف القائم على النوع الاجتماعي الذي ينفذه مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي