أفراح بورجي
كلفة عالية دفعتها المرأة اليمنية لمحاولة استعادة حقها الإنساني في مواجهة العادات والتقاليد؛ حيث أن بعض الأسر اليمنية لا تزال تزوج فتياتها خوفًا من الانحدار إلى الطريق الغير جيد، وتحت مبرر "السَتر"، وهي عادات سائدة لدى بعض الأسر والقبائل على امتداد الجمهورية اليمنية.
خلف أبواب العاصمة صنعاء، هناك الكثير من الفتيات الصغيرات اللواتي يجبرنّ على الزواج بغية "تخفيف الأعباء"، كما يجري التبرير للأمر.
الخوف من أن تظل عبئًا على خالها دفع "يسرى" للزواج في سن الـ 14 ربيعًا، لتجد نفسها، بعد سنوات من المعاناة، أمام بوابة المحكمة.
يسرى إحدى القصص التي وصلت حياتها الزوجية إلى طريق مخيف؛ نتيجة هذا النوع من الزواج.
يسرى
عاشت يسرى يتيمة الأبوين؛ حيث توفيت أمها في عامها الأول، وفي العام التالي، مات والدها تاركَا إياها وحيدة مع إخوتها وأخواتها.
انتقلت يسرى مع إخوتها وأخواتها للعيش في بيت خالها؛ ليكون عونًا لهم وسندًا يخفف عنهم أعباء الوحدة واليُتم، حتى تزوج الأبناء، وبقت البنات مع خالهنّ، بعد أن استقل الأشقاء بمنازلهم بعيدًا عن شقيقاتهم.
تزوجت يسرى، وهي الصغرى، من أحد أقارب أبيها؛ ولكنّها وجدت نفسها وسط معاناة طويلة؛ فهي، وإن انفصلت عنه، لا تزال تعاني من ويلات العيش تحت عذابه؛ فقد حرمت من دراستها، وتحملت أعباءً كبيرة وهي بعمر الـ14 عامًا، إضافة إلى "الإيذاء الجسدي والنفسي" الذي تعرضت له، كما تقول.
"مرضت لدرجة أني كنت أزحف حتى أقوم بكل أعمال البيت"
وبحسب تقرير لصندوق الأمم المتحدة للسكان والتنمية، ارتفع معدل العنف ضد المرأة، خلال العامين 2015 و2016م، بنسبة 63%؛ بسبب الصراع الدائر في اليمن، مشيرًا إلى أن 60% من النساء اليمنيات أصبحنّ عرضة لخطر العنف، وأنّه، خلال العام 2016م، سُجلت قرابة 10 آلاف قضية عنف ضد النساء.
صمت قهري
تقول يسرى: "عانيت بصمت حفاظًا على زواجي، وحتى لا أعود عبئًا على خالي مرة أخرى، حاولت كثيرًا، وصبرت على تعب الحمل والولادة؛ حيث أنّي حملت في أول شهر من زواجي".
وبمرارة، تسرد يسرى قصتها مع مواصلة التعليم؛ فبعد إلحاحها الشديد على زوجها، الذي رفض تعليمها في بادئ الأمر، وافق أن تلتحق بفصول الدراسة الإعدادية بعد تدخَّل أحد إخوتها لإقناعه بأن تدرس عن بُعد لدى إحدى المدارس، أو ما يسمى بالتعليم المنزلي (الانتساب).
لم يكن طول الطريق الذي تقطعه يسرى إلى المدرسة، أيام الامتحانات، عائقًا أمام تحقيق حلمها في مواصلة التعليم؛ حيث حرمها زوجها من أجور المواصلات إلى المدرسة؛ بدافع إثنائها عن قرارها في الدراسة، ولكنّها صبرت وثابرت حتى تخرجت من الثانوية العامة.
"مرضها جعلني أتأكد من تعرضها للتعذيب الجسدي والنفسي، ولا أنكر أني كنت أراعي الروابط الأسرية؛ كون زوجها ابن عمي"
اشتدت معاناة يسرى يومًا بعد آخر، وحاولت، لمرات عديدة، أن تطلب الطلاق؛ جراء الوضع النفسي والضغوط القاسية التي تتلقاها طوال الوقت، كما تفيد لـ "هودج"، لكنّها كانت تتراجع عن قرارها في كل مرة؛ فهي فتاة يتيمة لا سند لها ولا مأوى؛ كما تقول، مؤكدة أنّها ستكون المخطئة بنظر أخوتها، لا سيما أن زوجها من أقاربهم، ويتعامل معهم على عكس ما يبديه لها في المنزل، عندما يكونون وحدهم.
تقول يسرى: "تحملت الأعباء الزوجية الشديدة، والعنف الجسدي واللفظي، وقاومت حتى نفد صبري، ولم يعد بمقدوري التحمل أكثر".
قطيعة
أدت الضغوط النفسية والحرمان إلى مرض يسرى، وإصابتها بالتهابات في الأعصاب، وظلّت مريضة لمدة أسبوعين، "كنت أتعب لوحدي، لا أحد يساعدني، حتى أن زوجي كان يرفض ذهابي إلى أخواتي، ومجيئهنّ إليَّ".
وتضيف: "مرضت لدرجة أني كنت أزحف حتى أقوم بكل أعمال البيت".
وتواصل يسرى: "طوال فترة مرضي، لم يعفني زوجي من الواجبات المنزلية، على الرغم مما قالته الطبيبة عن مرضي، وأنه من الضروري أخذ قسط من الراحة حتى لا يتطور المرض، ولكنّه لم ينصت لأحد، وظل يعذبني، ويضربني أيضًا".
تطور الحالة
أصيبت يسرى بجلطة دماغية تركتها مشلولة غير قادرة على الحركة، حينها تدخَّل أحد أشقائها، وأخذها، مع أطفالها؛ لتعيش في منزله.
بدأت يسرى حياة جديدة في كنف شقيقها الأكبر، ورفعت دعوى قضائية للخلع، لكنّ زوجها رفض تطليقها، واستولى على كل ما بحوزتها من ذهب، وعلى حد قول شقيقها، قال زوجها: "أخذت الذهب لأنّه حقي، أنا دفعت لها مهرًا، وهي تريد أن أطلقها بدون ما تدفع مهري الذي دفعته لها".
ويضيف شقيق يسرى: "اضطررت لأخذ أختي منه؛ كي لا تروح منّا ضحية للمرض الذي أصابها. مرضها جعلني أتأكد من تعرضها للتعذيب الجسدي والنفسي، ولا أنكر أني كنت أراعي الروابط الأسرية؛ كون زوجها ابن عمي. كنت أقول لها: اصبري، المرأة تصبر على زوجها، ولكنّي لم أكن أعلم أنّه يعنفها هكذا، ويحرمها أبسط حقوقها".
"معظم النساء قد يصبنّ بالإعاقة، وعدم القدرة على أداء واجباتهنّ، وربما يصل الأمر بهنّ إلى الإصابة بأمراض خطيرة"
في السياق، تقول الأخصائية النفسية أفنان طاهر: "تعرُض المرأة للعنف يتسبب في فقدانها الثقة بنفسها، وبالتالي ضعف في شخصيتها، ومن الطبيعي أن تصاب المرأة بالاكتئاب جراء الإهانات المتكررة؛ الأمر الذي ينعكس سلبًا على صحتها النفسية؛ فتصبح متبلدة الإحساس، وغير قادرة على اتخاذ القرارات المناسبة".
وتضيف طاهر: "العنف لا ينحصر في الآثار النفسية فقط، بل قد يصل تأثيره إلى الصحة الجسدية؛ فمعظم النساء قد يصبنّ بالإعاقة، وعدم القدرة على أداء واجباتهنّ، وربما يصل الأمر بهنّ إلى الإصابة بأمراض خطيرة".