إكرام فرج | حضرموت
طبيعة المجتمع اليمني المبنية على العادات والتقاليد من قبل الأسرة والمجتمع ساهمت في خلق التمييز وتناميه، وللفكر والثقافات المغلوطة وقلة الوعي لدى البعض والفروق المادية والمكانة الاجتماعية سبب في انتشار التمييز والعنصرية ضد أبناء الطبقات أو العرق الآخر، بحسب قول مريم خميس بقرف، الأخصائية الاجتماعية.
وتتحدث بقرف بأن التهميش والإقصاء من قبل الحكومة لهذه الفئة والتفاخر بالأنساب، وايضًا المشاكل والاضطرابات النفسية من مسببات هذه الظاهرة، الأمر الذي يدل على أن للتهميش والعنصرية أبعادًا اجتماعية وثقافية، وإن اللون الأسود هو عامل في تجذير العنصرية والتهميش، وكل من يحمل بشرة سوداء يتعرض "للتنمر"، ويطلق عليه مصطلحات مسيئة مختلفة، وحتى من يمتلكون بشرة سمراء من أبناء الطبقات الأخرى فإنهم يتعرضون للتنمر.
هاجر عبدالله (اسم مستعار) فتاة تبلغ من العمر 15 عامًا، تعيش مع أسرةٍ مكونة من أم وأب وولدين وبنت بمدينة المكلا في محافظة حضرموت، شرقي اليمن، يمتازون بخلافها بالبشرة البيضاء، وهي الوحيدة التي لون بشرتها سوداء.
هاجر واحدة من الفتيات اللواتي يعانينّ ويتعرضنّ للإساءة والاستهزاء بسبب لون بشرتها، تقول إن معاناتها لاحقتها منذُ صغرها، وذلك عند تعاملها مع الآخرين في مجتمعها، ويقومون بمناداتها "بالسوداء" تارة "وبالخادمة " تارة أخرى.
عنصرية اللون
تعاني هاجر في مجتمعها من التنمر والسخرية من قبل زميلاتها لكون بشرتها سوداء، كما تقول، وتضيف أنها تتعرض للسخرية والاستهزاء بشكلٍ يومي في مدرستها بسببها، وأنه لا يوجد لديها صديقات إلا قلة، بعض منهنّ يقلنّ لها: "لا يشرفنا مرافقة العبيد"، ويبتعدن عنها، مما تسبب في انقطاعها عن إكمالها لتعليمها وقضائها معظم وقتها في المنزل، ولا تفضل الخروج مع الأهل بسبب ما تتعرض له.
أصبح اللون الأسود لدى الكثير من أبناء المجتمع اليمني شكل من أشكال التمييز والعنصرية التي تحفهم بالكراهية والسخرية التي يتم ممارستها من قبل المجتمع ضد بعضه البعض.
وتضيف هاجر أن استخدامهم لبعض المصطلحات والألفاظ التمييزية، مثل مصطلح "خادم" أو "أسود"، يعمل على تعزيز التنمر ضد أصحاب البشرة السمراء، سواء في المدارس أو في الأماكن الأخرى، مما يحرمهم من ممارسة حياتهم العادية، حتى الأطفال منهم غالبًا ما يتعرضون لمثل هذه السلوكيات العنصرية في المدارس، وبعدها يميلون لعدم مواصلة تعليمهم، بفعل البيئة المعادية التي يتواجدون بها، فمن هنا يخلق أو يساعد المجتمع في تشكيل مجتمع تحفه العنصرية، ويحرم فيه الغير من أبسط حقوقهم.
وقد يُرجع البعض أن سواد البشرة يأتي من قلة نظافة الشخص واعتنائه بنفسه، وهذا يعني أن المشكلة الاجتماعية التي صنفها أبناء المجتمع أنفسهم مع فئة المهمشين أو السود تنعكس على شكل سلوك عنصري على مختلف المستويات، انطلاقًا من المشكلة الأساسية بوصفها مشكلة عرق ولون.
لا توجد إحصائيات حول عدد من يمتلكون بشرة سوداء بشكل خاص، ولكن توجد تقديرات مختلفة حول عدد مجتمع المهمشين في اليمن، تتراوح بين 500 ألف إلى 3,5 مليون نسمة، يتركّزون في الأحياء الفقيرة المحيطة بمدن اليمن الرئيسية، وتُقدّر هذه الدراسة أعداد المهمشين بين 500 و800 ألف نسمة، أي نحو 1,6% إلى 2,6% من سكان اليمن، بحسب إحصائيات مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية.
وتؤكد بقرف أن الفرد يصبح ضعيف الثقة، ويصاب ببعض الاضطرابات النفسية والانعزال عن المجتمع، ويمارس سلوكيات عدوانية على نفسه وعلى الآخرين، ويشعر بعدم بالأمان، ويبدأ في هجره للعلاقات الاجتماعية بسبب هذه الظاهرة.
وتوضح الأخصائية الاجتماعية، ناهد بلعلا، أن من آثاره أيضًا على المجتمع رفض التعامل مع الضحية، والنظر له بدونية، والعدوان الاجتماعي، وهدم العلاقات المجتمعية، وغياب التكاثف المجتمعي، وعدم الاستقرار من خلال ظهور الفوضى والعشوائيات.
وأضافت بلعلا أن من أبعاد وتداعيات هذا التمييز التفكك المجتمعي، وانتشار الكراهية بين أفراد المجتمع، وظهور أماكن عشوائية فقيرة تنتشر بينها الجريمة، وحب الانتقام في ظل عدم وجود قانون منصف يحمي تلك الفئة المهمشة من الظلم وهضم الحقوق.
آثار نفسية
وحول أبرز الآثار النفسية التي يتعرض لها الشخص نتيجة للتمييز بناءً على اللون، يقول استشاري الاضطرابات النفسية والسلوكية، يحيى عبدالعزيز الدوربي، إن الإنسان بفطرته شخصية اجتماعية وتكيفية يتأقلم مع الوضع للمجتمع الذي هو فيه، ويمكن أن يكون جزء منه، ولكن هذا التكيف يحصل له نوع من الخلل والاهتزاز عندما يشعر أنه شخص منبوذ من قبل المحيطين به، وباستمرارية إطلاق الألفاظ المسيئة له يصبح أكثر عرضة للإحباط، ويزداد هذا الشعور مع زيادة التنمر في المعاملة.
وأوضح الدوربي أن شعور الشخص بالاستهزاء والسخرية الدائمة يجعله أكثر عرضة للإصابة بما يسمى القلق المجتمعي، نتيجة للصدمات المتتالية والشعور بالنقص، فيصاب بالاكتئاب والانعزال عن الآخرين، وأن الأشخاص الذين يتعرضون للتنمر بسبب لون بشرتهم قد يصلوا إلى حالة من فقدان الثقة بالنفس والخوف الدائم، ويصابون بالتوتر والعصبية، الأمر الذي يسبب ظهور انحرافات سلوكية تنعكس على المجتمع وتؤثر عليه سلبًا.