الحديدة - ياسمين الصلوي
"منهوته.. جننتنا بملافته منهوته تخطر وتجزع سكته...منهوته وصاحبي من بأنك"، بعد السابعة والنصف مساء، تصدح هذا الأغنية الشعبية من منزل أصبح مكانا لإقامة الأعراس والمناسبات في إحدى الحارات الشعبية بمحافظة الحديدة غرب اليمن، تفوح منه رائحة حبات الفل التهامي والرياحين على رؤوس النساء، تزيد أجواء الفرح أنس وبهجة، زحمة الأطفال تحت الأضواء، ضحكاتهم تهزم الحرب ويغدو الحي مكانا سعيد، بجانب كوشة الفرح تجلس خلود إلى جانب معداتها بمعية أختها عبير، وشقيقتها الكبرى وبناتها دينا وراوية. كأعضاء فرقة موسيقية (ديجي) لا تستغني عنها نساء الحارات الشعبية في الحديدة.
"في العام 2010 قررت اشكل فرقة ديجي لإحياء المناسبات وتركت عملي كعاملة في المنازل، وأصبح لي جمهوري واشتهر اسمي، تشجيع أهلي وجيراني وزبائني زادني رغبة اطور فرقتي المكونة من شقيقتي وبنات اختي راوية ودينا"، تقول خلود.
خلود صالح (27عامًا) من أسرة يصنفها المجتمع من الفئات المهمشة، أنهكها الفقر والحرمان، واستطاعت أن تسلك حياة اخرى مخالفة لواقع أسرتها فوالدتها عملت كعاملة في منازل أغنياء المدينة ووالدها حمالا (ينقل على ظهره مواد وأشياء).
منبع الفكرة
تقول خلود أنها عند عملها هي صديقتها في منزل سيدة تعمل في صناعة الوجبات السريعة للمناسبات، تدعى فاطمة، كانت تقول لهن، اعملن لمستقبلكن حاجة، أنا لن أدوم لكن وشغلكم هذا في المنازل كتنظيف وطهي وخدمة أصحاب المنزل، يهلك الإنسان، ولازم أن تسلكن طريق أفضل.
تؤكد خلود ان السيدة فاطمة التي كانت سندا لنفسها وأطفالها بعد طلاقها من زوجها، بنصائحها المتكررة استطاعت أن تقنعهن في تغير حياتهن، وتضيف: بدأت أفكر بكلامها كثيرًا، وذات مرة حضرت عرس في حاراتي وجلست جنب فنانة تقود فرقة ديجي تأملت الأجهزة والأدوات اللي تعمل عليها وحدثت بنفسي، لماذا لا أجمع لي فلوس واشتري لي الأجهزة واشتغل أحسن من شغل خدمة المنازل واستعباد الناس لي.
البداية
بعد أن جمعت خلود مبلغًا من المال استطاعت شراء سماعتين وجهاز محمول "لابتوب" وجهاز تحكم بالصوت "مكسر" وأدوات اخرى يحتاجها الديجي ، وأوضحت بأن انطلاقتها كانت من حفلة لإحدى جيرانها، وبعدها بدأت مسيرتها في أحياء الحفلات والأعراس، مشيرة إلى أنها لم تترك العمل في البداية مع السيدة فاطمة التي شجعتها على تغير واقعها، ولولا سفر السيدة فاطمة، لما كانت تركتها، كما تقول خلود.
وتستطرد خلود بالقول: "بدأت اشتغل بخمسة ألف ريال وأحيانا أقل في حال كانت ظروف الناس صعبة وبدأت أخرج لمديريات خارج المدينة، وزملائي جهاد ونادر اللذان يعملان في فرق ديجي هما من كانا معي في بداية العمل وعلموني كيفية تشغيل الأجهزة تركيبها والعمل عليها.
من فوضى إلى أجواء فرائحيه
تقول خلود "العمل في الديجي ممتع وشيق، أجواء الفرح وترتيب الأغاني وتقديم الطلبات والتهاني وزف العروس، أشعرني بالراحة وحب الناس لي ولفرقتي، أما حياة العمل في المنازل كخدم كلها وجع لا أحد يحس في معاناتهم إلا الله وحده، فتنظيف وغسيل وطبخ يوميًا، وراتب لا يزيد عن 16ألف ريال شهريًا".
انتصرت لنفسها
تقول سعدية عبدالله من فتيات حي خلود، أن كثير من الناس في الحي، وفي وأحياء ومديريات، ومحافظات أخرى، يستعينون بفرقة خلود لإحياء أعراسهم ومناسباتهم، واصفة خلود بصاحبة الروح الجميلة والفتاة المتفانية بعملها والمتعاونة مع زبائنها، وتضيف: نحب خلود ونحترمها لعملها، ولكونها من أسرة مكافحة انتصرت لنفسها وأثبتت أن الفتاة قادرة على تغير واقعها.
صعوبات
تتحدث خلود عن الصعوبات التي تواجهها وتقول أن النزوح الذي حدث في الحديدة في منتصف العام 2018 تسبب بتراجع وتوقف عملها ما أضطرها للعودة للعمل كخادمة، ومع عودة بعض النازحين عاودت العمل في الفرقة وتحسن دخلها، تركت العمل كشغالة نهائيًا، حد تعبيرها، مشيرة إلى أن جائحة كورونا المستجد كان لها نصيب كبير في ترجع عملها بعد منع السلطات في الحديدة إقامة المناسبات كإجراء وقائي من انتشار الفيروس.
وتقول خلود بأن من المواقف الصعبة التي تواجهها أثناء عملها إطلاق الرصاص والأعيرة النارية، مما تسبب بحدوث فوضى ورعب في أوساط النساء ومما يجعل أدواتها عرضة للنهب.
أسرتها
"كان لوقوف أفراد أسرتي بجانبي دور كبير في نجاح عملي وشهرتي، أمي الله يرحمها شجعتني كثير العمل في الديجي، وأبي كذلك، وأخوتي وائل وعلاء يرافقاني في عملي ويحملون لي الأجهزة والسماعات"، تتحدث خلود وابتسامة عريضة على محياها.
حلمها
ترى خلود أن جزء من حلمها تحقق وهو شراء معدات الديجي وتحقيق شهرة وتوسع وتحسين دخل أسرتها ومساعدة شقيقاتها، وتؤكد انها تعمل على تحقيق بقية حلمها بفتح معمل لصناعة الوجبات السريعة للمناسبات بعد أن عملت كثيرا مع السيدة فاطمةو تعلمت منها الكثير، وتضيف: وما شجعني على ذلك، هو أن معمل للوجبات الخاصة بالمناسبات مرتبط بشغل الديجي.
مشاريع حياة
تقول الناشطة وداد البدوي أن كثير من الفتيات اتجهن لفتح مشاريع لها علاقة بالسلم المجتمعي بسبب الظروف التي تعيشها البلاد، وأن هذه المشاريع باتت حاضرة داخل المجتمع مثل محال إصلاح جوالات و إكسسورات والعمل في الخياطة والتطريز وغيرها.
وترى البدوي أن الفتيات أصبحن يمتلكن مساحة حرية كبيرة ويشاركن في صناعة القرار ويفضلن بناء اقتصاد شخصي لهن وهذا لا يتحقق إلا في حال امتلاكهن المال لهذا اتجهن كثير منهن للعمل وفتح مشاريع.