كتب/ عمران مصباح
عشرة أعوام من الصراع في اليمن تركت آثارًا سلبية عميقة على المجتمع، إذ تمثل النساء 49.6% من النسيج الاجتماعي، فيما تبرز الإحصائيات تشكيل النساء والأطفال 80% من قوام النازحين، مما يشير إلى حجم المعاناة المتفاقمة.
ورغم الظروف القاسية، استجابت المرأة اليمنية للتحديات عبر إسهامات ملموسة في مجالات النشاط المدني، والحقوقي، والإنساني، والاجتماعي، والثقافي، مما أدى إلى حصد تقدير عالمي بجوائز دولية متعددة، قدّم دفعًا لافتًا لمسعى التغيير.
أهمية الجوائز ودلالتها
تُصنّف اليمن كأحد أسوأ الأماكن للنساء على مستوى العالم، وفقًا لتقارير دولية، جراء الصعوبات المتزايدة التي واجهنها في سياق النزاع، مثل التضييقات الاجتماعية والقانونية، بما في ذلك منع السفر دون محرم وفرض قيود على ملابسهن، لكن عديد من التجارب أبرزت تمكن النساء من تجاوز هذه العقبات. وقد أسهمت الجوائز التي حصلن عليها في تسليط الضوء على إنجازاتهن واستمرار نضالهن.
تجارب ملهمة
تتحدث المحامية سماح سبيع، التي تم اختيارها ضمن قائمة BBC لعام 2019 كواحدة من النساء الملهمات عالميًا، عن التحديات التي فرضتها الحرب. تؤكد أن الظروف الصعبة دفعت النساء للخوض في قضايا جديدة وملحة، مما أدى إلى تكريمهن في مجالات متعددة.
وأوضحت سبيع أن "الحرب أعادت المرأة إلى وضع سيئ، والتكريم قد يكون تعويضًا عن كفاحهن، لكنه يظل تقديرًا فرديًا، في حين أنهن يستحققن تكريمًا جماعيًا"، مشيرة إلى أن تجارب النساء اللاتي قابلتهن خلال تحكيم إحدى الجوائز تُظهر أنهن يقمن بأعمال عظيمة، لكن من الصعب تكريم الجميع نظرًا لعددهن الكبير.
"من عمق المعاناة وُلِد الإبداع. الحرب لم تكن دافعًا للإبداع فحسب، بل كانت سببًا في إبرازه، حيث دفعت الفنانين إلى الواجهة، وألقت عليهم مسؤولية الحفاظ على الهوية الثقافية
أثر الجوائز على دور المرأة
تُشير الإعلامية الحاصلة على جائزة الشجاعة الصحفية لعام 2017 من مؤسسة الإعلام النسائية العالمية في أمريكا، هديل اليماني، إلى أن الظروف الصعبة التي تمر بها النساء في اليمن شكلت ضغطًا عليهن، مما دفعهن إلى تحقيق إنجازات أكبر.
تقول: "المرأة اليمنية لديها إنجازات منذ القدم، إلا أن دورها الفعال تضاعف خلال الصراع. ومع اتساع تأثيرها، أصبح العالم يراها." وتتابع بأن العالم كان يفتقر إلى التركيز على المجتمع اليمني، وخاصة المرأة، رغم كونها دائمًا فعالة.
ولم تقتصر إنجازات المرأة على الجوائز الحقوقية والإنسانية والمجتمعية فحسب، بل امتدت إلى المجالات الفنية، إذ نالت الفنانة التشكيلية شذى التوي جائزة المرأة الاسكتلندية وجائزة جون بيرن، التي تُمنح للفنانين التشكيليين بعد اختيار إحدى لوحاتها من بين 300 لوحة متنافسة.
تقول: "من عمق المعاناة وُلِد الإبداع. الحرب لم تكن دافعًا للإبداع فحسب، بل كانت سببًا في إبرازه، حيث دفعت الفنانين إلى الواجهة، وألقت عليهم مسؤولية الحفاظ على الهوية الثقافية".
وتضيف بأن الجوائز تعكس قدرة المرأة على الإبداع وسط التحديات، وأهميتها في منح الأمل للجميع.
"يمكن أن تفيد الجوائز النساء، ولكن بنسب بسيطة، لأن الأثر الذي يجعل النساء شركاء في تحديد مصير البلد يعتمد على عوامل أخرى. يتطلب ذلك من المرأة نضالًا واعيًا وتراكمًا لتحقيق تأثير حقيقي، وليس مجرد لحظة عابرة. والدليل على ذلك هو استمرار إقصاء النساء بشكل كبير".
أهمية الجوائز في تعزيز دور المرأة
في ظل الإقصاء الواضح للنساء من المناصب القيادية واستبعادهن من مفاوضات السلام، تبرز أهمية الجوائز كأداة لتعزيز دورهن.
تفسر هديل اليماني: "الجوائز تعزز فكرة أن لدى المرأة إمكانيات، ويجب أن تُمنح المساحة لتقديم جهودها. هذا ليس جديدًا عليها، فعندما كان الوضع أفضل، كان للمرأة دور فاعل، ويجب أن يعود؛ لأن ذلك سيساهم إيجابيًا في المجتمع".
وتؤكد أن نسبة النساء في المجتمع كبيرة، وإن لم يتم إشراكهن يعني ذلك وجود اختلال واضح في التوازن الاجتماعي.
تأثير الجوائز على وضع المرأة اليمنية
بحسب صندوق الأمم المتحدة للسكان، تحتاج 12.6 مليون امرأة في اليمن إلى حماية منقذة للحياة. في ظل هذه الظروف الصعبة، يتساءل كثيرون عن الفارق الذي يمكن أن تُحدثه الجوائز.
تقول شذى التوي: "للجوائز تأثير نفسي كبير، إذ تلهم النساء لمواصلة النضال." وتضيف أن هذه الإنجازات تساهم في لفت انتباه العالم، مما قد يساعد في تحسين الوضع.
"على الرغم من الصعوبات، تعكس الجوائز قدرات المرأة وإمكاناتها في إحداث الفارق إذا ما حصلت على دور رئيسي في صناعة السلام"، قالت.
الرؤية الشاملة لفوائد الجوائز
تشير سماح سبيع إلى أن فوائد الجوائز تعود بشكل كبير على الأفراد أنفسهم، إذ تمنحهم صوتًا مسموعًا.
تقول: "يمكن أن تفيد الجوائز النساء، ولكن بنسب بسيطة، لأن الأثر الذي يجعل النساء شركاء في تحديد مصير البلد يعتمد على عوامل أخرى. يتطلب ذلك من المرأة نضالًا واعيًا وتراكمًا لتحقيق تأثير حقيقي، وليس مجرد لحظة عابرة. والدليل على ذلك هو استمرار إقصاء النساء بشكل كبير".
الإقصاء الكبير الذي يصل إلى حد غيابهن عن التمثيل الحكومي، وندرة مشاركتهن في مفاوضات السلام، تُعتبر الجوائز العالمية مسألة مهمة
المرأة اليمنية: بين التقدير العالمي والتجاهل المحلي
بالنسبة للصدى المحلي لهذا التقدير العالمي، ترد شذى التوي أن التقدير لم يكن بالمستوى المطلوب، مشيرة إلى أن المجتمع يتعمد تجاهل إنجازات المرأة.
تقول التوي: "النساء لا يتلقين الاعتراف إلا من كانت لديهن حضور عام مسبق." مضيفة، "صحيح أن الظروف الحالية قد جعلت استقبال المجتمع لهذه الإنجازات صعبًا، لكن الإنجازات السابقة للنساء لم تكن غالبًا مصدر فخر في المجتمع اليمني".
وتؤكد أن تغيير هذا الوضع يتطلب جهدًا ووقتًا، بالإضافة إلى تحسين الظروف العامة وزيادة الوعي بدور المرأة.
الفجوة بين الاحتياج والمكافأة
بحسب الأمم المتحدة، يحتاج 21.6 مليون يمني إلى المساعدة. حول العلاقة بين هذه المشكلة والاحتفاء الخافت بالمرأة، تعلق اليماني: "قد تكون المرأة مظلومة محليًا، ولكن أسباب عدم الاهتمام الداخلي متنوعة، منها الكفاح للحصول على أساسيات الحياة. هذا ينطبق على المجتمع ككل، بينما يبقى التقدير الخارجي مهمًا لأنه يعكس اعترافًا، ولو كان اضطراريًا".
الفجوة بين العالم والمحلي
فيما يتعلق بالفجوة بين العالم الخارجي والواقع المحلي، تقول المحامية سماح سبيع: "حصول النساء على الجوائز العالمية يعد إنجازًا بحد ذاته، بعيدًا عن التقدير المحلي. داخل اليمن، الوضع مأساوي، والمعاناة تفوق إمكانية الالتفات إلى هذه التقديرات. لذا، فإن المرأة التي تحظى بهذا التكريم تتلقى إقرارًا لم تحظَ به عديد من النساء اللواتي يستحققن أيضًا".
رسالة النساء للنساء
من المهم أن يصل صوت الفائزات بالجوائز إلى باقي النساء. تقول هديل اليماني: "على النساء أن يصبرن، فستتحسن الظروف حتمًا. يجب أن نحصل جميعًا على الأدوات المناسبة لاختراق الظلام. نجاح المرأة ليس مهمًا لها فحسب، بل لأجل المجتمع والمستقبل. لا يمكن صناعة واقع جديد دون نساء يواجهن التحديات والصعوبات".
و"لمن حصدن الجوائز بجدارة"، كانت رسالة سماح سبيع لأجلهن: "استمررن في نضالكن، فهناك ما يستحق القتال من أجله. طريقكن لن يكون مفروشًا بالورود، لكنكن ستجدن النتيجة في النهاية. وأقول للمرأة اليمنية بشكل عام: أنتِ امرأة قوية، ومناضلة حقيقية، وقليل من النساء في العالم يمتلكن القوة والعزيمة التي تملكينها".
بينما تؤكد شذى التوي أن رسالتها للنساء هي الاستمرار في الكفاح، مشيرة إلى أن كل إنجاز، مهما كان صغيرًا أو فرديًا، يساهم في بناء مستقبل أفضل ليس للفرد أو للمرأة فقط، بل للمجتمع ككل.
الجوائز كأداة لتعزيز دور النساء
في النهاية، وفي ظل الانتهاكات المستمرة ضد النساء، والإقصاء الكبير الذي يصل إلى حد غيابهن عن التمثيل الحكومي، وندرة مشاركتهن في مفاوضات السلام، تُعتبر الجوائز العالمية مسألة مهمة. يمكن استثمار هذه الجوائز لتعزيز دور النساء، والاستفادة من مكانتهن في المناصرة الحقوقية، إلى جانب الضغط على الأطراف المحلية من أجل إشراكهن في المشاورات القادمة.