كتبت/ لطيفة الظفيري

في فجر الـ 29 من تموز | يوليو 2024م، شعرت أمجاد حسن بألم المخاض ليتم نقلها إلى هيئة مستشفى الحزم، مركز محافظة الجوف، لولادة طفلها البكر. إلا أن ولادتها تعسرت وأصر الكادر الطبي الذي كان يقوم بتوليدها على أنها ستلد طبيعياً، رغم تعسرها وارتفاع ضغط الدم لديها. تم إعطاؤها طلقاً صناعياً لمساعدتها على الولادة، وكانت النتيجة إصابتها بالناسور الولادي (تضرر بالرحم والمستقيم)، ليتم تحويلها إلى العاصمة صنعاء لتخضع لأربع عمليات جراحية من أجل ترميم الرحم والمستقيم، ولا تزال حتى اللحظة تخضع للعلاج.

تعاني النساء في محافظة الجوف، التي تبعد عن العاصمة صنعاء 143 كيلومتراً، من نقص حاد في الخدمات الصحية والصحة الإنجابية. فحسب الأرقام الرسمية لمديرية الحزم، هناك طبيب واحد لكل 10317 نسمة، وقابلة واحدة لكل 1190 امرأة، مع وجود مستشفى واحد فقط، هو هيئة مستشفى الحزم، الذي يستقبل الحالات المرضية من المديرية والمديريات الأخرى، بالإضافة إلى مستشفى في مديرية برط العنان.

لم تكن سارة قاسم، البالغة من العمر عشرين عاماً، بأفضل حالاً من أمجاد؛ ففي أيار | مايو 2024م، كانت تذهب إلى مركز المتون الصحي لولادة طفلها البكر لمدة ثلاثة أيام متتالية، وفي كل مرة يتم إخبارها بأنه لم يحن موعد ولادتها، رغم شعورها بصداع شديد وارتفاع في ضغط الدم. تم نقلها إلى مستشفى الحزم في مديرية الحزم، حيث تم تشخيصها بتسمم الحمل، وأجريت لها عملية قيصرية ثم أدخلت العناية المركزة وتضرر طفلها.

الوضع الصحي العام في الجوف

تؤكد المادة 55 من الدستور اليمني أن الرعاية الصحية حق لجميع المواطنين، وتكفل الدولة هذا الحق بإنشاء مختلف المستشفيات والمؤسسات الصحية والتوسع فيها، وينظم القانون مهنة الطب ويوسع الخدمات الصحية المجانية ويعزز الوعي الصحي بين المواطنين.

وتنص المادة 5 من قانون الصحة العامة على إعطاء الأولوية لرعاية صحة المرأة والطفل باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من الاستراتيجية الوطنية. كما تنص المادة (6) على التزام الوزارة بتوفير الخدمات الوقائية والتشخيصية والعلاجية والتأهيلية المتعلقة بصحة الأم، بما في ذلك رعاية المرأة خلال فترات الحمل والولادة والرضاعة.

رغم ذلك، يعاني القطاع الصحي في الجوف من قلة الدعم الحكومي ومن نقص في دعم المنظمات الدولية. كما يعاني من نقص في المنشآت الصحية المجهزة وقلة الأدوية المتوفرة، إلى جانب نقص في الكادر الطبي المؤهل والمتخصص في الأمراض الخطيرة والمزمنة على مستوى المحافظة. النساء هن الأكثر تضرراً من هذا الوضع، حيث يوجد "نقص في الكوادر من حيث العدد والنوع والتخصص في أقسام النساء والولادة في المراكز الأساسية، وفني التخدير وفني الحاضنات"، وعدم استقرار الكادر في المحافظة، وفقاً لمدير الرعاية الصحية بمكتب الصحة بالجوف، خالد الخطيب.

من جهتها، توضح الطبيبة العامة في مركز متون الحكومي، الدكتورة فضيلة عبد الرحمن، قائلة: "الوضع الصحي في الجوف يعاني من تحديات كبيرة بسبب الصراع المستمر ونقص الموارد. العديد من المرافق الصحية تعمل بقدرة محدودة، وبعضها مغلق تماماً. بالنسبة للصحة الإنجابية، فإن الوضع أكثر تعقيداً، حيث تفتقر النساء إلى الخدمات الأساسية مثل الرعاية السابقة للولادة، والولادة الآمنة، والرعاية اللاحقة للولادة، وتنظيم الأسرة."

وبحسب الممرضة في مستشفى الحزم، ماريا شمسان، هناك الكثير من الحالات المرضية التي لا يمكن علاجها في محافظة الجوف بسبب نقص الأجهزة والكادر الطبي المتخصص، ويتم تحويلها إلى المحافظات اليمنية الأخرى (صنعاء، مأرب، صعدة)، منها حالات الأمراض الخطيرة والمزمنة.

الصحة الإنجابية للنساء في الجوف

بحسب تقديرات صندوق الأمم المتحدة للسكان، فإن نحو 8.1 مليون امرأة وفتاة في سن الإنجاب في اليمن يحتجن للمساعدة في الوصول إلى خدمات الصحة الإنجابية، ومن بينهن 1.3 مليون امرأة من المتوقع أن تصاب 195,000 منهن بمضاعفات تتطلب مساعدة طبية لإنقاذ حياتهن وحياة أطفالهن حديثي الولادة.

ويزيد من معاناة النساء أن نصف المرافق الصحية فقط في اليمن تعمل بكامل طاقتها، فيما فقدت 35% من مراكز وعيادات الصحة الإنجابية قدرتها على العمل، عدا عن أنها تعاني من نقص حاد في الأدوية والمعدات والكوادر البشرية.

هذا هو الواقع في اليمن بشكل عام، إلا أن محافظة الجوف تعد من أكثر المحافظات اليمنية تهميشاً في مجال الرعاية الصحية بشكل عام والصحة الإنجابية بشكل خاص.

توضح منسقة الصحة الإنجابية بالجوف، جميلة قسوة، أن مرافق الصحة الإنجابية تفتقر للتجهيزات الطارئة الشاملة للتوليد في معظم المديريات (عدد المديريات 13، حيث تم استحداث مديرية السيل في العام 2024 بعد أن كانت تتبع مديرية الحزم)، وتفتقر إلى الكادر الطبي المؤهل، حيث تحتاج المحافظة لطبيبات متخصصات في أمراض النساء والولادة، وطبيبات طب عام. لا يوجد سوى مرفقين تتواجد فيهما طبيبات تخصص نساء وولادة، وخمسة مرافق صحية يتوفر فيها تخصص عام على مستوى المحافظة فقط.

أضافت قائلة: "نحتاج لتأهيل الكادر الطبي، ولدينا نقص في الإمكانيات؛ حيث إن أغلب المرافق غير مؤهلة لاستقبال حالات الولادة بسبب عدم توفر الغرف المجهزة من أسِرَّة الولادة وأجهزة الضغط، إضافة إلى نقص في ثلاجات حفظ الأدوية، ما يضطرنا لاستخدام ثلاجات خاصة بالمنسقات أو ثلاجة المختبر".  مشيرة إلى أنه "تم تقديم طلبات للوزارة أكثر من مرة بشأن الوضع والاحتياجات، لكن لم يتم التدخل لحل المشكلة. كما أن وسائل تنظيم الأسرة انقطعت لمدة عامين عن المحافظة، وتم توفيرها بكمية ضئيلة هذا العام."

في سياق متصل، توضح القابلة ومدربة القابلات في مركز المتون الريفي، تغريد الدجة، أن معظم المرافق غير مؤهلة لتقديم خدمات الولادة الآمنة، حيث إن العمليات القيصرية متوفرة في مرفقين فقط في الجوف، هما مستشفى الحزم وبرط العنان، وأن التوعية في جانب الصحة الإنجابية موجودة بشكل ضئيل.

آثار سلبية

هناك العديد من الآثار السلبية التي تؤثر على النساء نتيجة عدم حصولهن على الرعاية الصحية والصحة الإنجابية اللازمة. حيث تتعرض العديد من نساء الجوف لمضاعفات أثناء الحمل والولادة، مثل النزيف، وتسمم الحمل، والإجهاض غير الآمن، وحمى النفاس، واحتباس المشيمة، وفقر الدم، مما قد يؤدي إلى الوفاة أو الإعاقة، وفقاً للقابلة ومدربة القابلات تغريد الدجة.

من جهة أخرى، توضح الدكتورة فضيلة أن قلة الوعي بين المجتمع في الجوف أدت إلى انتشار حالات وأمراض، مثل الالتهابات المهبلية وسوء التغذية، وضعف التشخيص المبكر لكثير من الأمراض، والاستخدام الخاطئ لوسائل تنظيم الأسرة.