كتبت/ تهاني القديمي
في إحدى ليالي الشتاء القاسية، عاشت صفية، الحامل في شهرها السادس والمقيمة في مخيم الجفينة بمحافظة مأرب، تجربة مؤلمة مع برد الشتاء. تقول: "كنت أقوم بجمع الملابس من حبل النشر خارج الخيمة، وفجأة شعرت بتيارات الهواء البارد تتسرب إلى جسدي. بدأت أشعر بآلام قوية في أسفل بطني، وكأنني على وشك الولادة".
خشيت صفية أن تفقد جنينها في تلك الليلة، لكنها لجأت إلى جارتها طلبًا للمساعدة. وتقول: "أحضرت لي جارتي بطانيات (لحاف) دافئة وصحن شُربة ساخنة (حساء)، بعدها شعرت بتحسن واستمر حملي، لكنني لا أنسى تلك الليلة وما شعرت به من خوف وقلق".
قلق ومخاوف
فيما عبرت النازحة أم محمد، امرأة حامل في شهرها التاسع، عن قلقها البالغ على جنينها، قائلة: "قد أتحمل البرد، لكن كيف سأحمي مولودي؟ المخيمات باردة جدًا ليلًا ولا توجد تدفئة مناسبة".
أم محمد ليست الوحيدة التي يساورها هذا القلق؛ فالكثيرات يواجهن تحديات مشابهة. فأحلام، امرأة حامل في شهرها السابع والمقيمة في مخيم السويداء شمال مدينة مأرب، تعيش معاناة يومية مع البرد القارس الذي يحاصرها وأطفالها. وتصف ذلك بقولها: "أطرافي دائمًا باردة، وأعاني من آلام في الكلى بسبب الطقس. المخيم لا يوفر لنا الحماية، وملابسنا غير كافية لمواجهة برد الشتاء."
تعيش أحلام وأطفالها في خيمة محاطة بزنج متهالك، مما يزيد من صعوبة ظروفهم اليومية. وتتابع: "منذ أربع سنوات ونحن نفتقر إلى الملابس الشتوية والأغطية المناسبة. أتمنى أن أحصل على أغطية وملابس تحمينا من هذا البرد."
وأشارت تقارير لإدارة وحدة النازحين الحكومية إلى أن برودة الطقس الشديدة في المخيمات تؤدي إلى وفيات بين النساء والأطفال، خاصة في مناطق الصحراء بمأرب التي تشهد تغيرات مناخية حادة بين الليل والنهار.
تفاقم وتدهور
بحسب إحصائية لإدارة الصحة الإنجابية بمكتب الصحة بمحافظة مأرب، فقد شهد عام 2023 زيادة ملحوظة في حالات مضاعفات الحمل والاجهاض في المناطق التي تستضيف نازحين. وتم تسجيل أكثر من 4195 حالة مضاعفات حمل مقارنة بـ 3622 حالة في العام السابق. هذه الزيادة ترتبط بتدهور الأوضاع الصحية في مخيمات النزوح، خاصة في محافظة مأرب التي تستضيف أكثر من مليوني نازح، مما يجعلها المحافظة الأكثر استضافة للنازحين في اليمن.
مسؤولة الصحة الإنجابية بمحافظة مأرب، نبيلة العيال، قالت: إن تغير المناخ بالفعل يضر بشكل عام بصحتنا، مع تأثر بعض المجتمعات والأفراد أكثر بكثير من غيرهم، بما في ذلك النساء الحوامل والمواليد والأطفال، مثل انتشار الأمراض المعدية، وحدوث مضاعفات مرتبطة بالحمل، والولادة المبكرة، وانخفاض الوزن عند الولادة، والاجهاضات، وغيرها.
وتشير تقديرات صندوق الأمم المتحدة للسكان، إلى وجود أكثر من 400 ألف امرأة حامل في اليمن يواجهن تحديات صحية جسيمة، بسبب نقص الرعاية الصحية المناسبة.
معاناة مشتركة
تطرقت القابلة سمر الهمداني، من مستشفى 26 سبتمبر في مخيم الجفينة، إلى الأوضاع المأساوية التي تعيشها النساء الحوامل أثناء قدومهن للولادة في ظل البرد القارس، مؤكدة أن المعاناة لا تقتصر على الأمهات فقط، بل تشمل أيضًا العاملات في المجال الصحي، حيث تواجه العديد من القابلات أمراضًا مثل الإنفلونزا ونزلات البرد نتيجة الظروف الباردة في بيئة العمل.
الجهود والتدخلات
أوضح مدير مؤسسة "مسلم هاندز"، صالح قاسم، أن المؤسسة تتسلم تقارير الاحتياج من الوحدة التنفيذية، وفي ضوء هذه التقارير، يتم التدخل لتوفير الدعم اللازم. أضاف قاسم أن الجميع يعاني من برودة الشتاء، سواء النساء، الأطفال، أو كبار السن. إلا أن التمويل لا يزال ضعيفًا مقارنة بالاحتياجات الفعلية، مما يتطلب زيادة الدعم الموجه للمؤسسات الإنسانية لتلبية هذه المتطلبات.
من جانبه، أكد مسؤول المشاريع في "منظمة ائتلاف الخير"، ناجي شبانة، أنهم يواصلون تنفيذ مشاريع توفير مواد الإيواء المناسبة للأسر في فصل الشتاء، بالإضافة إلى توزيع المستلزمات الشتوية. مشيرًا إلى أن المنظمة تواجه تحديات كبيرة بسبب شح التمويل واستمرار النزوح.
فيما أشار مسؤول القطاع الشمالي في مخيم السويداء، إبراهيم شنه، إلى الجهود المستمرة لتحسين أوضاع السكن في المخيمات، ومنها توزيع خيام محسّنة مبطنة بالخشب لتوفير الدفء. ومع ذلك، يواجه سكان المخيمات نقصًا في الملابس الشتوية، البطانيات (الأغطية)، والمساكن الملائمة، وذلك في ظل ارتفاع الأسعار وتراجع المساعدات، حيث يقتصر دعم برنامج الغذاء العالمي على توزيعه كل ثلاثة أشهر وبكميات محدودة. وقد أقرّ بحرمان بعض العائلات من المساعدات الشتوية لمدة تصل إلى أربع سنوات نتيجة ضعف التدخلات الإنسانية.
مزيد من الدعم
في ظل التغيرات المناخية المستمرة، تزداد حالات الصقيع بصورة ملحوظة، مما يؤثر بشكل كبير على النساء الحوامل في مخيمات النزوح التي تزيد أعدادها عن 200 مخيم. وحاجة هؤلاء النساء لتوفير التدابير الوقائية لمواجهة هذه التحديات والظروف المناخية، الأمر الذي يتطلب المزيد من الاهتمام والمزيد من المساعدات العاجلة.
تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع تعزيز دور وسائل الإعلام في دعم قضايا الصحة الإنجابية والعنف القائم على النوع الاجتماعي الذي ينفذه مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي.