كتب/ رزق الحاتمي

"فقدتُ زوجي في الحرب، وحُرمت من أطفالي بعد ذلك، وبدأت فصول المأساة تحلّ عليّ، وتلقي بكامل ثقلها على حياتي، التي تحوّلت إلى جحيم نتيجة العنف الذي تعرضتُ له، بعد فقدان زوجي، وكلّي أمل أن أجد من ينصفني، ويلملم شتات أطفالي، بعد أن انقطع بي السبيل في دهاليز المحاكم". تحكي الثلاثينية "نجات" قصتها وعيونها لا تتوقف عن الدموع حرقةً على أطفالها التي حرمت من النظر إليهم لأكثر من أربع سنوات.

وقعت نجات (اسم مستعار)، ضحيةً للعنف بعد فقدانها لزوجها في الصراع الدائر في اليمن منذ أواخر 2014، والذي أفرز معاناة كبيرة طالت العديد من فئات المجتمع، ونالت المرأة نصيبها الأكبر وضاعف من معاناتها، دون إنصاف للضحايا.

تقول نجاة لـ "هودج"، "بعد موت زوجي أصبحتُ كالفريسة لأهله بعد بضعة أشهر فقط من موته، من خلال ممارسة العديد من أشكال العنف الأسري، والذي وصل إلى حدّ العنف الجسدي واللفظي، وحرماني من الأكل والشرب وصولًا إلى طردي من بيتي وأخذ أطفالي مني، وأصبحت مشردة في مخيمات النزوح".

لم يقف الأمر عند هذا الحدّ، فقد نجت بنفسها، ونزحت إلى مخيم السويداء بمحافظة مأرب، وتعيش بخيمة صغيرة، لتبقى حبيسة الشوق لأطفالها الذين تركتهم في محافظة "عمران" (شرق اليمن) وسط شباك أهل زوجها الذين أحرموها منهم.

وعلى آثار فقدانها لأطفالها تحاول نجات نسيان ما تعرضت له من عنف وتهجير، ركّزت جل اهتمامها على البحث عن سبيل يعيد حضانتهم إليها وهو ما دفعها للتحدث عن اتخاذها طريقة آمنه تلجأ إليها للبحث عنهم بالطرق القانونية.

تضيف "نجاة" في حديثها لـ "هودج"، "حاولت أجمع جزءً من مصاريفي الشخصية متناسية همومي في حياة البعد والنزوح وما تعرضت له من العنف والإذلال وقدمت دعوى قضائية إلى محكمة مأرب الابتدائية بأهل زوجي على أمل في الحصول على حضانة أطفالي".

إجراءات طويلة

وقالت "إنّ إجراءات المحاكمة تمثل أبرز التحديات التي تواجهها، وغيرها العديد من الناجيات". وتصف هذه الإجراءات بطويلة الأجل وتكلفتها باهظة. وتضيف أنها لا تستطيع تغطية تكاليف المحاكمة وقطع مسافات طويلة لمتابعة إجراءات المحكمة باستمرار، ولكنها تبذل جهود كبيرة في البحث عن منظمات المجتمع المدني تقدم دعم قانوني مجاني يمكنها من إنقاذ أطفالها الذين يمارس ضدهم العنف باستمرار.

وأكدت "نجاة" في حديثها لـ "هودج"، أنّ الخدمات القانونية المجانية التي تبحث عنها ربما تشكل طوق نجاة لأطفالها ومناصرة لحقها في حضانة أطفالها بعد أن شاهدت استنجاد طفلتها "روان"(اسم مستعار) البالغة من العمر 12 عامًا، وشقيقتها في مقطع فيديو وصلها بشكل سريّ وهي يتحدثون إليها ما يتعرضون له من عنف جسدي، ورغبتهم في العيش معها".

أهمية كبيرة

وتبرز أهمية الدعم القانوني المجاني للناجيات من العنف من خلال قصة "نجاة" التي وقفت عديمة الحيلة في البحث عن وسيلة تنقذ حياة أبنائها.

في المقابل الناجية حميدة، بخلاف "نجاة "، تشعر بالأمان، بعد حصولها على خدمة الدعم القانوني المجاني من أحد مراكز الإيواء في محافظة مأرب، حيث تقول: "تعرضت للعنف الجسدي والإساءة اللفظية من قبل زوجي وتركني مع طفلي الصغير لمدة سنة كاملة في بيت والدي بدون أن يبدي أي اهتمام أو يغطي نفقاتي فقررت التوجه إلى أحد المراكز الخدمية في المحافظة لطلب المساعدة في خلع زوجي".

تتابع في حديثها لـهودج كل خدمة ممكن تقديمها للمعنفات تعود الفائدة لها لكن الدعم القانوني المجاني يشكل أكثر أهمية، فأشعر الآن أنني متعافية من أثار العنف بعد حصولي على الدعم القانوني، وصدر قرار بوجوب الخلع من الزوج وإعطائي حقوقي".

حاجة متزايدة

وفي هذا الصدد، تقول اخصائية الدعم النفسي بفرع اتحاد نساء اليمن بمأرب، زمزم راجح "إنّ القليل من النساء في محافظة مأرب يحصلنَ على خدمات الدعم القانوني المجاني، حيث قدم الإتحاد 97 خدمة خلال عام 2024 في مجال الدعم القانوني في المقابل ارتفاع في نسبة النساء اللواتي تعرضن لأشكال مختلفة من العنف، وبحاجة للدعم القانوني نتيجة للظروف الاقتصادية التي تعيشها الأسر، أو الحياة القاسية المترتبة على النزوح والصراع القائم مما تتطلب تكيف الجهود لحماية واتخاذ الإجراءات القانونية لحماية المرأة.

وأكدت زمزم في حديثها لـ هودج أنّ "الكثير من المعنفات يتوافدن إليها لطلب المساعدة في التخلص من أثار العنف فتخضعها لجلسات دعم نفسي كإجراء أولي غير أن الغالب من هؤلاء الوافدات بحاجة إلى دعم قانوني مجاني لا يختلف عن الدعم النفسي بل بعض الحالات يكون علاجها النفسي مرتبط بتخلصها من القيود المحكومة عليها كإجراءات الخلع وحق الحضانة، وما زالت الحاجة قائمة لهذه الخدمات".

تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع تعزيز دور وسائل الإعلام في دعم قضايا الصحة الإنجابية والعنف القائم على النوع الاجتماعي   الذي ينفذه مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي