كتبت/ منيرة أحمد الطيار

على خطى كل المبادرات التي تقدمها اليمنيات للحفاظ على موروث اليمن وتقديم صورة جيدة عنه، سعت الطباخات اليمنيات لتقديم التراث اليمني للمأكولات بطرق مبتكرة وجذابة، عبر منصات التواصل الاجتماعي (إنستغرام، يوتيوب، فيسبوك، وتيك توك)، مستفيدات من ثورة المعلومات والتكنولوجيا وسهولة وصول المعلومات بضغطة زر.

استطاعت الطباخات اليمنيات عرض وصفات يمنية تراثية مثل السلتة، المندي، بنت الصحن، الشفوت، وغيرها من أصناف المأكولات اليمنية المتنوعة والثرية، وذلك أسهم بشكل كبير في تعريف العالم بالمأكولات اليمنية ومكوناتها وطرق صنعها.

عائشة عداوي من المملكة العربية السعودية بجيزان قالت إنها سعيدة بوجود الوصفات اليمنية على اليوتيوب بأيادٍ يمنية، فهي ذاقت أكثر من أكلة يمنية (اللحسة، الفحسة، الشفوت، المقلقل، بنت الصحن، الهريس)، ولإعجابها بالمطبخ اليمني جربت أكثر من وصفة للأكل اليمني عبر متابعتها لقنوات وصفحات طباخات يمنيات.  

أحمد من فلسطين هو الآخر ذاق الأكل اليمني وأعجب به، وبات يبحث عن مكوناته وكيف يُصنع، يقول: "ذقت الأكل اليمني لدعوة من صديق يمني، وأعجبني جدًا، لذا بحثت عن وصفاته في السوشال ميديا وحاولت أن أطبق عددًا من الوصفات".

تعد منصات التواصل الاجتماعي أداة قوية في يد الطاهيات اليمنيات اللواتي وجدن تلك فرصة لتصوير وصفاتهن بهواتفهن الذكية، وتحرير الفيديو بأنفسهن ورفعه على قنواتهن الخاصة أو مجموعات الفيسبوك.

منصات التواصل الاجتماعي ليست لعرض الوصفات فقط، بل أسهمت في التسويق للمشاريع الصغيرة للأكل المنزلي، فمالكة مشروع "لذاذة" التي بدأت مشروعها في 2019 بمبلغ بسيط لاحظت إقبالًا وتفاعلًا كبيرًا مع مشروعها. تقول: "كثفت جهودي لعرض مشروعي عبر صفحتي على الفيسبوك وإنستغرام، وأنشر كل الأصناف التي أطبخها، ولاقت رواجًا كبيرًا وشهرة واسعة".

نهى اليعبري، طاهية يمنية في السويد، حصلت على شهادة تخصص في الطبخ من أكاديمية ستار. قصتها مع المطبخ بدأت بعد الزواج حين قررت التعلم واكتشفت أن لها شغفًا في تعلم المزيد، ليس عن الأكل اليمني فحسب، بل كل المأكولات العربية. وكان لمنصات التواصل الاجتماعي دور كبير في تعلمها، ثم بدأت في نشر وصفات جربتها ونجحت حتى أصبح لديها أكثر من 58 ألف متابع على صفحتها بالإنستغرام.  

هدى حرسي هي الأخرى أسست قناة Huda's Ingredients المتخصصة في تعليم الطبخ اليمني على منصة يوتيوب، ولديها – حتى كتابة هذا التقرير – نحو 90 ألف مشترك.  

تقول هدى: "بفعل نصيحة أمي وصديقتي بالاستفادة من موهبتي وفتح القناة، بدأت بتصوير بعض من طبخاتي العدنية، ولاقت استحسان الكثيرين. وكنت ألاحظ التفاعل ليس فقط من اليمنيات وإنما من دول أخرى، ما شجعني ذلك على الاستمرار والنشر أكثر، وعملت على نشر طبخات من مناطق يمنية متنوعة".

زينب الأغبري، التي أسست قناة "عالم زينو" في عام 2022 لتقديم محتوى عن طبخ المأكولات اليمنية، تقول: "استثمرت وقت فراغي لممارسة موهبتي في الطهي، وأقوم بتصوير المأكولات وتحرير الفيديوهات بنفسي، ووصلت مشاهدات الفيديو إلى 5 آلاف مشاهدة، وهذا شجعني للاستمرار والإنتاج أكثر".  

على الرغم من السعي الدائم للمرأة اليمنية لتقديم التراث اليمني في قوالب مختلفة لكل المتواجدين على منصات التواصل الاجتماعي، إلا أنها تتعرض للتنمر من قبل المجتمع. (ف. و) أنشأت قناة طبخ على منصة يوتيوب، لكنها تعرضت للتنمر والشتم من قبل أهلها وأسرتها حين عرفوا أنها تقدم فيديوهات طبخ.  

تقول: "أنا شغوفة بالطبخ منذ صغري وأتابع كل قنوات ووصفات الطبخ. ذات مرة، أخبرتني صديقتي أن أصور أكلي لكي تستفيد الفتيات من الوصفة ويطبقنها. تشجعت وفتحت قناة باسم مستعار حتى لا يعرفني إخوتي، وبدأت التصوير ونشرت بعض الوصفات. كنت سعيدة بالتعليقات والتفاعل، إلا أن حلمي لم يبرق نوره، حتى علم إخوتي ومنعوني، وقاموا بتكسير هاتفي".  

الدكتور محمود البكاري، أستاذ علم الاجتماع المساعد بجامعة تعز، يرى أن المأكولات الشعبية في أي بلد تمثل موروثًا ثقافيًا وحضاريًا يعكس هوية المجتمع وتراثه المادي، وأن المأكولات الشعبية اليمنية تعكس المكانة الاجتماعية والتاريخية للمجتمع اليمني وتطوره. ولا تزال تمثل مصدر دخل قومي سواء من خلال السياحة الخارجية أو الداخلية، فلكل محافظة طابع مميز في الأكلات الشعبية يختلف عن محافظة أو منطقة أخرى. ولا يزال الناس يحافظون على هذا الطابع الثقافي سواء من خلال الحفاظ على الأدوات والأواني التقليدية القديمة أو من خلال التفنن في طهي هذه الأكلات الشعبية.  

وأضاف البكاري: "تم افتتاح العديد من المطاعم للأكلات الشعبية، ليس في اليمن فحسب، بل في بلدان عربية وأجنبية. وهناك رواج وإقبال كبير على هذه الأكلات نظرًا لما تتمتع به من مذاق مميز وجودة في الطهي لا تنافس، وخاصة اللحوم بمختلف طرق طهيها التي تختلف من محافظة إلى أخرى بشكل كبير، بل وتُسمى باسم هذه المحافظة أو تلك. يُلاحظ أن هناك رواجًا كبيرًا لهذه الأكلات باستخدام وسائل التكنولوجيا ومنصات التواصل الاجتماعي كنوع من التسويق من جانب والاعتزاز بهذا الموروث الحضاري من جانب آخر".