ناهد بلعلاء
لم تكن (س.م) تدرك أنّها سوف تستمر عذراء حتى بعد الزواج، وأنّها ستظلّ هكذا دون حل أو حيلة تخرجها من تلك الدوامة.
تعترف الشرائع والأعراف بحق الفتاة في الحصول على حياة زوجية كاملة، لكنّ للعيب الاجتماعي أدواره أيضًا.
البنت للزواج
تحكي (س.م) قصة مختلفة عن نفسها؛ حيث الجميع يعترف لها بحقها، لكن لا أحد يمكنه منحها إياه.
تقول: "أنا من أسرة متوسطة الحال. لم أكمل دراستي؛ فقد أخرجني أبي من الصف السابع، وكان يقول: البنت للزواج وليس للتعليم".
وتضيف: "تربيت على الحياء والخجل، وعلى أنّ البنت يجب أن تشُبّ وتجلس في البيت في انتظار عريسها؛ فانتظرته، وبعد سنوات وصل الفارس، لكنّ الأحلام لم تصل".
وتوضح: "كان يوم زواج عصيب، وكانت ليلة مرهقة لكن دون أن يحدث شيء؛ فظننت أنه الإرهاق والقلق، إلا أنّ الأمر استمر لأسابيع وأشهر بل وسنوات. ندخل غرفة النوم كشقيقين".
"أخبرته أنّ الطب يصير أفضل مع مرور الوقت، وبإمكاننا السفر للخارج، لكنه رفض بقوة متهمًا إياي بأنّي أود أن أصنع له فضيحة"
تصمت (س.م)، ثم تواصل بحزن: "حاولت التحدث معه والتقرب منه أكثر، لكنه فاجأني بقوله إنّه تعرض لحادث وهو صغير جعله غير قادر على الممارسة الجنسية".
لم تكن تعلم أنّ جلسة المكاشفة تلك ستزيد الطين بِلّة، كما تقول، "تغير سلوك زوجي، وصار عصبيًا معكر المزاج بشكل متكرر، حتى وصل به الأمر حد ضربي لأتفه الأسباب".
وتضيف: "حاولت العودة لأهلي، لكنه هددني بالقتل والإضرار بأهلي إن أنا فعلت، أو أخبرت أسرتي بما هو عليه من عجز جنسي".
الخوف من الفضيحة
لم يكن أمام الزوجة سوى البحث عن حل بينها وزوجها؛ فحاولت إقناعه بالذهاب إلى طبيب، "أخبرته أنّ الطب يصير أفضل مع مرور الوقت، وأنّ علينا أن نحاول، وبإمكاننا السفر للخارج، خاصة أنّ حالة أسرته متيسرة، لكنه رفض بقوة متهمًا إياي بأنّي أود أن أصنع له فضيحة".
لاحظت أسرته أن الزيجات التي تواكبت مع زواج ابنهم أنجبت نساءها أطفالًا. لم يسألوا عن السبب، لكنهم ظلّوا يدفعون بابنهم للزواج من أخرى؛ "ظنًا بأنني عقيمة"، كما تقول الزوجة.
"دعا الإسلام إلى حسن معاشرة النساء، ومعاملتهنّ بلطف ومودة، وتفهمهنّ، واحترام رغباتهنّ"
وتضيف: "يظل هو يهرب إلى مجالس القات وشلة الأصدقاء، وليس أمامي من ملجأ أو مهرب بين تهديداته، وقيود العيب الاجتماعي، والسمعة التي ستلحق به وأسرته إن انفضح أمره، كما يقول"، موضحة خشيتها مصارحة أسرتها بالأمر، وما سيؤول إليه الوضع بين الأسرتين، وتوقعها أن تطالبها الأسرة بالاستمرار؛ حفاظًا على سمعة زوجها وعائلته العريقة المحافظة، بحسب قولها.
رأي الدين
"امتناع الزوج عن زوجته لا يجوز إذا كان قادرًا"، يقول الشيخ محمد بن عبيدالله، ويوضح: "يرى أهل العلم أنّ امتناع الرجل عن امرأته، إذا دعته وهو قادر فتعنت، أمر غير جائز، بل وحرام شرعًا؛ لمخالفته قول الله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19]".
"التنازل يتم بطريقة تدريجية حتى يصل الإنسان إلى مراحل متقدمة من الانهيارات"
"دعا الإسلام إلى حسن معاشرة النساء، ومعاملتهنّ بلطف ومودة، وتفهمهنّ، واحترام رغباتهنّ"، يقول الشيخ.
ويضيف بشأن الوضع الخاص بالفتاة: "هذا حق مقرر للزوجة، ثابت في السنة النبوية؛ ففي الحديث المتفق عليه، عن عبدالله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: “يا عبدالله، ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل؟ فقلت: بلى يا رسول الله، قال: فلا تفعل، صم وأفطر، وقم ونم، فإن لجسدك عليك حقًا، وإن لعينيك عليك حقًا، وإنّ لزوجك عليك حقًا، فأعطِ كل ذي حق حقه” .
تنازل تدريجي
"من المتوقع، بل والطبيعي، أن تتسبب أجواء من هذا النوع في حدوث تأثيرات نفسية واجتماعية صعبة على الزوجة"، هذا ما تفيد به الدكتورة أمل البان، وهي معالجة نفسية.
تقول البان واصفة الحالة وتأثيراتها المحتملة: "لديها شعور كبير بالنقص الذاتي، وتقديرها لذاتها منخفض جدًا، وهذا ما يفسر قبولها بذلك الوضع، وصمتها الطويل عنه حتى وصل بها الحال إلى أن يهددها زوجها؛ وهو أمر ناتج عن التنازل التدريجي عن الحقوق"، مؤكدة: "التنازل يتم بطريقة تدريجية حتى يصل الإنسان إلى مراحل متقدمة من الانهيارات".
"لا بد من إنقاذ كليهما بشكل عاجل؛ لأنّ الزوج يمكن أن تتطور حالته، ويدخل في اكتئاب قد يتسبب في إقدامه على الانتحار"
وتنصح البان الزوجة بالتركيز على بناء ذاتها، وتقوية شخصيتها بطريقة هادئة ونوعية ومكثفة؛ "لأنّها إذا ما استمرت في تهميش شخصيتها وحياتها، وترك اهتماماتها على جنب، سوف تبقى في هذا الوضع، ولن تستطيع الخروج منه أو التعايش معه، إلا برفع طاقتها واستحقاقها".
وتوصي البان بـ "برامج علاج الصدمات، وبرامج رفع الكفاءة الذاتية، وجلسات الاستشفاء الذاتي، وجلسات التأمل والاسترخاء، والواجبات التي من شأنها رفع مستوى طاقة الفتاة، وإيصالها إلى بر الأمان".
مخرجًا آمنًا
تنبه أستاذة علم الاجتماع بجامعة حضرموت، الدكتورة إيمان الأحمدي، إلى أنّ "حالة الفتاة بحاجة إلى تدخل سريع من قبل أسرتها وأسرة الزوج؛ كونه أصبح يعاني من سلوك خاطئ، وهذا السلوك والعنف من غير الطبيعي أن يتم السكوت عنه؛ لأنّه يعد خطرًا على الزوجة والمحيطين بالزوج".
وتتساءل الأحمدي بتعجب: "كيف استطاعت هذه الفتاة الصمت طيلة سنوات، فيما كان يفترض بها العودة إلى بيت أهلها بعد الزواج بأيام قليلة؟"، وتضيف: "كان عليها أن تتخذ قرارها منذ البداية، وكان يفترض به أن يتعالج، أو أن يعتقها من حياة كهذه بدلًا من تركها تعيش ضحية أنانيته ومخاوفه وتقاليده".
وكبوابة للحل، تنصح الأحمدي بضرورة أن "تحكي الفتاة قصتها لأسرتها، أو لمن تثق بهم أكثر من أسرتها وأسرة زوجها؛ ليجدوا لهما مخرجًا سلميًا آمنًا يحفظ كرامة الزوج وحرية الزوجة وحقوقها، وهناك عقلاء يمكنهم فعل ذلك"، محذرة في الوقت ذاته: "لا بد من إنقاذ كليهما بشكل عاجل؛ لأنّ الزوج يمكن أن تتطور حالته، ويدخل في اكتئاب قد يتسبب في إقدامه على الانتحار، وعلى أسرته أن تعرف ذلك؛ لتتمكن من التدخل ومعالجته قبل أن تتعقد الحالة أكثر".