مجيبة الشميري
"فكرة فتح مطعم للوجبات السريعة جاءت، بعد سنوات، من العمل داخل منزلي؛ لكي تأخذ الفتيات راحتهنّ في ظل عدم توفر أماكن خاصة بالنساء"، هكذا بدأت المعروفة بـ "أم عبدالله" تسرد لنا قصة أول مطعم خاص بالنساء في مدينة الحديدة، غرب اليمن.
تعد مدينة الحديدة واحدة من أهم المناطق السياحية والاقتصادية في اليمن؛ حيث تمتاز بطول ساحلها، بالإضافة إلى وجود واحد من أهم الموانئ اليمنية، تمر عبره معظم الصادرات والواردات
البداية
دخلت أم عبدالله سوق العمل عام 2015م؛ حيث أسست مشروعًا صغيرًا داخل منزلها لتعيل أسرتها من خلاله. كان المشروع عبارة عن صناعة جاتوهات المناسبات، والكيك، والحلويات، والبيتزا، والبسبوسة، والمعجنات بأنواعها، وكان التوزيع يتم من منزلها للبقالات والمحلات.
في العام 2018م، بدأت الشابة الثلاثينية شق طريقها نحو الاستقلالية وإثبات الذات، تقول: "خلال فترة عملي داخل المنزل، كنت أفكر في توسيع مشروعي، ففكرت في إيجاد مكان خاص بالنساء والفتيات، يتبادلنّ فيه الحديث وقضاء أوقات ممتعة؛ فجاءت فكرة إنشاء مطعم للوجبات الخفيفة مع بوفيه خاص بالنساء".
عملت أم عبدالله على تخفيض سقف الفائدة؛ الأمر الذي ساهم في استمرار توافد الزبائن
وفي العام 2019م، تحقق الحلم؛ حيث افتتحت مشروعها الخاص؛ لتنتقل من العمل داخل المنزل إلى تشغيل مطعمها الجديد.
يوفر المطعم الوجبات السريعة، والآيسكريم، والعصائر، وغير ذلك من المشروبات.
المشروع وجد تفاعلًا جيدًا من قبل النساء والفتيات؛ فقد أصبح لديهنّ ملتقى ومطعم خاص بهنّ، "يوفر فرصة للخروج والالتقاء والتنفيس في ظل أجواء الحرب الخانقة"، تقول هدى، إحدى زبونات المطعم.
خطوات على الطريق
"بدايتي كانت صعبة"، تقول أم عبدالله، وتضيف: "واجهت صعوبات كثيرة، أبرزها الصعوبات المادية؛ حيث لم أجد فرصة توفر لي الدعم المالي اللازم للمشروع؛ فاتجهت لأخذ قروض من صديقاتي".
شكلت ضغوط الحرب المعيشية، وانهيار سعر العملة تحديًا جديدًا أمام نمو المشروع، لكنّ أم عبدالله قررت إيجاد دافع للاستمرار؛ حيث عملت على تخفيض سقف الفائدة؛ الأمر الذي ساهم في استمرار توافد الزبائن، كما تقول.
قصة أم عبدالله أصبحت إحدى القصص الملهمة للنساء في الحديدة، خاصة في ظل ما يشهده مشروعها من تقدُم جعلها توسع دائرة الطموح أكثر فأكثر، "أطمح أن أكرر تجربتي هذه في محافظة جديدة في كل مرة، وأنا أعمل الآن على الخطوة القادمة؛ سعيًا لتأسيس سلسلة تشمل كل محافظات اليمن".
أرادت أم عبدالله أن تعيل أسرتها، وتوفير عيش كريم، فحققت ذلك، وأضافت إليه نجاحها كرائدة أعمال تسير بخُطى حثيثة صوب التوسع بالمشروع.
كسرت أم عبدالله أكثر من حاجز؛ صعوبة الاستقلالية المالية للمرأة، والخروج للعمل بشكل مختلف؛ حيث يعد مطعمها الأول للنساء في المحافظة الساحلية الغربية.
نظرة عامة
تعد بيئة الأعمال في اليمن من البيئات الصعبة، خاصة في ظل الحرب، كما أنّها، وإلى وقت قريب، كانت حكرًا على الرجال، إلا أن المرأة اليمنية اثبتت مقدرتها على تحقيق النجاح والريادة على أرض الواقع، وفي أصعب الظروف، كما هو حال البلد في ظل الحرب الحالية.
نجاح أم عبدالله، وأخريات من رائدات الأعمال اليمنيات، يُذكِّر بأهمية توفير مصادر تمويلية مساندة؛ كي تتمكنّ أخريات من اللحاق بالركب، وإثبات ذواتهنّ، والمشاركة في تنمية الاقتصاد الوطني، مثلهنّ مثل الرجال تمامًا.
أم أحمد (فضلت استخدام كنيتها) نموذج آخر في هذا الاتجاه؛ حيث تسبب توقف مرتب زوجها في جعلها تعصف أفكارها، وتتفقد ما لديها من مهارات يمكن توظيفها في سبيل حل مشكلة توفير نفقات الأسرة، وحين وجدت الفكرة، لم تجد التمويل، فتصرفت كأم عبدالله؛ حيث اقترضت من صديقاتها، وأنشأت معملًا منزليًا صغيرًا لصناعة البخور وبيعه للمحال التجارية، وراجت بضاعتها، حتى تمكنت من حل مشكلة توفير نفقات المنزل.
"من خلال تشجيع ودعم النساء ليصبحنّ جزءًا من سوق العمل، يمكننا أن نجني مكاسب كبيرة في إجمالي الناتج المحلي"
تعمل المشاريع النسائية في اليمن، غالبًا، في مجالات صناعة الملابس، والمنتجات الغذائية، وصناعة التحف والهدايا، وصناعة البخور؛ حيث انتشرت، مؤخرًا، وفي ظل الحرب، الكثير من المحلات التجارية الصغيرة في مختلف المحافظات اليمنية؛ كمحلات صناعة الحلويات، وصناعة البخور والعطور، والنقش بالحناء، والخياطة.
برنامج الأمم المتحدة الإنمائي
يشير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، إلى أن تمكين المرأة أمرٌ بالغ الأهمية لتحقيق الاستقرار، والتعافي المبكر، وصولاً إلى التنمية المستدامة؛ من خلال بناء مهارات النساء اليمنيات؛ من أجل الانضمام إلى القوى العاملة، وإنشاء أعمالهنّ التجارية الخاصة.
ويتوقع التقرير الصادر عن البرنامج، "تقييم أثر النزاع في اليمن: مسارات التعافي"، أنّه، "من خلال تشجيع ودعم النساء ليصبحنّ جزءًا من سوق العمل، يمكننا أن نجني مكاسب كبيرة في إجمالي الناتج المحلي، قد تصل إلى 12.5 مليار دولار أمريكي تراكمي بحلول عام 2030م، و270 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2050م".
ويضيف التقرير أنّه، خلال عام 2021م، قدم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي فرص دخل فورية لأكثر من 5,900 امرأة يمنية؛ من خلال فرص النقد مقابل العمل، وحصلت أكثر من 1,200 امرأة على منح صغيرة لإنشاء وتنمية مشاريعهنّ الصغيرة؛ كما اكتسبت أكثر من 1,700 امرأة مهاراتٍ جديدة من خلال التدريب، بما في ذلك المهارات الأساسية في قطاعات حيوية وتنموية؛ مثل الطاقة الشمسية.
ويضطلع شركاء البرنامج في الحملة، اتحاد نساء اليمن، بتوفير الإقامة، والتدريب، والدعم النفسي والاجتماعي للمرأة اليمنية في مختلف أنحاء البلد.
ويعمل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي واتحاد نساء اليمن معًا؛ من أجل تحسين وصول النساء والرجال إلى العدالة على حدٍ سواء؛ للمساعدة في إنشاء أسس بناء السلام، "نؤمن بقدرة كل امرأة ورجل يمني على المساعدة في بناء مستقبل مشرق يسوده الأمان، ويشمل جميع اليمنيين بلا استثناء".