كتبت/ زهور ناصر

يمتد تاريخ اليهود في اليمن لآلاف السنين، ويُعتبرون من أقدم المجتمعات اليهودية في العالم. على الرغم من الازدهار الثقافي والديني والاقتصادي الذي عاشوه في فترات معينة، إلا أن اليهود في اليمن شهدوا تحولات دراماتيكية عبر العصور القديمة، بدءًا من الازدهار إلى التهميش والاضطهاد.

حياة اليهود اليمنيين

مارس اليهود في اليمن التجارة، وكانوا يمارسون مختلف المهن الحرة مثل صناعة المنسوجات القطنية والحريرية والصوفية، وصناعة الأواني الخزفية بألوان ونقوش جميلة، وصناعة الأحذية ودباغة الجلود. كما اشتهروا في صناعة الحلي الذهبية والفضية وأعمال الصياغة، وتمتعوا بشهرة فائقة في هذا المجال وفي الصناعات المعدنية على اختلافها.

لعب يهود اليمن دورًا كبيرًا في الحياة الاقتصادية، وكانت حريتهم مكفولة؛ ونتيجة لذلك عمل اليهود في عدد من الأعمال الحرفية والصناعية وتميزوا فيها، منها صياغة الذهب والفضة، حيث كانوا يستخدمون الفضة والذهب في تصميم قطع فريدة تتضمن الحلي مثل الأساور، والخواتم، والقلائد، وغالبًا ما كانت تتميز بنقوش تقليدية.

بحسب مدير إدارة الحرف اليدوية بتعز، عبد الله العريقي، فإن اليهود في اليمن كانوا مسيطرين على الصناعات اليدوية والتجارة، حيث عملوا في النجارة والحدادة والدباغة وصياغة الفضة، ويعد حبشوش من أبرز وأهم التجار اليهود في اليمن.

يقول العريقي لمنصة هودج: "إن اليهود ساهموا في تسهيل الاستيراد والتصدير، مما عزز دورهم في الاقتصاد اليمني، حيث كان أغلب اليهود يعملون في التجارة، خاصة تجارة الفضة، التي كانت تُعتبر أغلى من الذهب، وأسسوا مدارس حرفية في القرى، وجمعوا ثروات طائلة، حتى بعد مغادرتهم اليمن في عام 1948". مضيفًا، "تميز اليهود أيضًا في الصناعات الحديدية وصناعة الأحذية. وعلى الرغم من تأثيرهم في الاقتصاد، كانت عوائد تجارتهم محصورة في أسرهم، وركزوا على تنمية أعمالهم لجمع المال، كما لبوا احتياجات الأغنياء والطبقات الوسطى والفقيرة، ما ساهم في تلبية أذواق المجتمع اليمني."

من جهته، أوضح حرفي مشغولات الفضة، وهيب المليكي، أن يهود اليمن كانوا حرفيين في مشغولات الذهب والفضة أكثر مما كانوا تجارًا، ويقول إن "مهنة التجارة لم تكن هي الأساس". مضيفًا أن اليهود كانوا مبدعين ومتقنين للأعمال الحرفية، خاصة ما كان يُعرف بـ "البوساني والبديحي"، وهي عبارة عن مشغولات يدوية من الذهب والفضة ذات زخارف معقدة بالغة الدقة.

تطور التجارة اليهودية

استفاد اليهود من طرق التجارة البحرية والبرية، وأسسوا علاقات قوية مع التجار من مختلف الثقافات، مما ساهم في توسيع شبكة تجارتهم. تُظهر تجارة اليهود في اليمن مدى تأثيرهم في الاقتصاد المحلي، حيث كانت أنشطتهم التجارية مصدرًا مهمًا للرزق والمساهمة في تنمية المجتمعات المحلية.

يقول المرشد السياحي، جميل الباشا، وهو عامل في أحد محلات الفضة بمدينة تعز جنوب غرب اليمن، إن اليهود قديمًا كانوا بارعين في صناعة الفضة، حيث كانوا يستخدمون النجمة السداسية، المعروفة حاليًا بنجمة داود، كختم رمزي على منتجاتهم. وقد اشتهرت هذه الصناعة، بالإضافة إلى صناعة الجلود، في منطقة الشبزي خلف قلعة القاهرة التاريخية في مدينة تعز اليمنية، وذلك قبل أن تتراجع في الستينيات مع قدوم الإمام يحيى، بحسب الباشا.

وأضاف أن هذه الحرفة كانت محصورة بين اليهود، حيث كانوا يتميزون بإنتاج الفضة الخالصة، المعروفة محليًا باسم "المخلص". وكانوا يستخدمون الريال الفرنسي المعروف باسم "ماريا تريزا" في معامل سرية لإنتاج ختومات وأسماء باللغة العربية. ومع ذلك، فإن الوضع الحالي يشير إلى تدهور كبير في هذه الصناعة.

وأوضح الباشا في حديثه لمنصة هودج أن شح الإمكانيات وغياب الدعم الحكومي لليمنيين في استعادة هذه الحرف أدى إلى تراجع كبير، حيث تجاوز سعر الكيلو من الفضة 500 ألف ريال يمني، ما يعادل 250 دولارًا أمريكيًا. كما أشار إلى أن غياب الترويج السياحي للأجانب واندلاع الحرب كان لهما تأثير سلبي على التجارة، مما جعلها كاسدة. ونتيجة لذلك، أصبح اليمنيون اليوم يعتمدون على تقليد الحرف القديمة بدلاً من إنتاج الفضة الخالصة.

وبحسب الباحث التاريخي المهتم بشأن اليهود في اليمن، حسين الوحيشي، عُرف اليهود في اليمن بممارستهم الزراعة والتجارة في مختلف المجالات. وشهدت تجارة اليهود في عدن انتعاشًا، حيث اشتغلوا في تلبيس الأسنان بالذهب والفضة وصك العملة. كانت أعمالهم تشمل أيضًا بيع الآثار وصناعة الحلي. واستمرت بعض المهن، مثل النجارة ودباغة الجلود، حتى الثمانينيات، حيث قدموا خدمات متنوعة في الأسواق.

من جهة أخرى، يقول الباحث الأكاديمي والمتخصص في شؤون اليهود إعلاميًا، حسين عامر، إن اليهود عاشوا في فترات من التشتت، لكنهم كانوا معروفين كحرفيين وتجار، خاصة في شبوة وتعز وصنعاء وعدن وعمران، وشاركوا في الحياة اليومية، وعُرفوا بتفوقهم في الحرف مثل التجارة والنقوش. وتميزوا بحرف متنوعة، مثل صناعة الذهب والفضة. كما برعت النساء اليهوديات في تصدير الصوف والقهوة، وتزايدت هجرة اليهود اليمنيين إلى فلسطين في القرن العشرين بدعوى دينية وصهيونية، مدعومة بالمال والوعود من القوى الغربية. وكان لليهود دور بارز في التجارة، حيث كان أكبر تاجر في صنعاء هو يهودي (حبشوش) في عهد الإمام يحيى. وفي عدن، كانت عائلة (ميسا) تسيطر على تجارة القهوة وتملك ثروة كبيرة.

في المقابل، تحدث المليكي لمنصة هودج عن اندثار المهن الحرفية في اليمن بعد رحيل اليهود بسبب عدم اهتمام الحكومات المتعاقبة بالحرفيين، وعدم تقديم دعم أو اهتمام بالحرف والموروث الشعبي من قبل وزارة الثقافة والسياحة.

ولذا فإن تاريخ يهود اليمن غني ومعقد، حيث شهدوا فترات من الازدهار والتحديات، مما ساهم في تشكيل هوية المجتمع اليمني. كان لليهود باع طويل في التجارة حتى منتصف القرن العشرين، حيث كانوا يتحكمون في العديد من الأسواق. قام يهود اليمن ببناء حضارة إنسانية عظيمة في أرض اليمن في كل من العصرين الحميري والشعبي، حيث لا تزال شواهد وآثار تلك الحضارة موجودة حتى يومنا هذا.