كتبت/ منال الهلالي

"لأنني فتاة؛ واجهتُ عراقيل كثيرة، بدايةً من اختياري لدراسة الآثار، مرورًا بسفري إلى صنعاء لهذا الغرض، والعيش في سكن الطالبات، وليس انتهاءً باضطراري إلى بيع ذهبي حتى أصرف على نفسي أثناء الدراسة". بهذه الكلمات، روت سميرة القباطي، ابنة مدينة تعز، قصة شغفها بالآثار وعشقها لهذا المجال.

نما عشق سميرة للآثار وسط معارضة الأهل والمجتمع، كونهم يرون أن تخصصًا كهذا حكر على الرجال في اليمن، وقلة هنّ الفتيات اللاتي حاولنّ كسر هذا الاحتكار.

أصرت عائلة سميرة على أن التنقيب عن الآثار أو الاشتغال بمجالها عمل شاق فيه الكثير من الخشونة والمتاعب التي لن يتحملها إلا الرجال، بحسب ما قالته القباطي لـ”هودج".

وتضيف: تتعاظم النظرة المعارِضة لمثل هكذا تخصص لتصل إلى رفض البعض الزواج بالمشتغلات في مجال الآثار، واشتراط الأزواج ترك الزوجات لهذا العمل حتى يستطعنّ القيام بالواجبات الزوجية والمنزلية.

تستطرد سميرة: جاهدتُ كثيرًا كي أكمل دراستي خلال تسعينيات القرن الماضي، فقد كانت الأوضاع آنذاك أثقل مما كانت عليه اليوم، بالنسبة لنظرة المجتمع تجاه المرأة.

بعد التخرج، نزلتْ سميرة لميدان العمل، وما بين صنعاء وتعز حالفها الحظ بفرصة التعيين الحكومي لتعود إلى مدينتها "تعز" محملةً بشغف العمل في مجال الآثار.

تقول سميرة: "كنت الفتاة الوحيدة، في تسعينيات القرن الماضي، التي تصعد إلى قلعة القاهرة وسط 150 عاملًا، جميعهم من الرجال، لأبحث مع فرق العمل عن الآثار. وعند العثور عليها، أوثقها وأصنفها وأرمم ما يحتاج إلى ترميم".

المرأة.. مصدر طمأنينة

تتحدث مديرة وحدة التراث اللامادي في مركز الآثار سابقًا، مديرة إعلام المرأة في إدارة الإعلام بديوان محافظة تعز، سعاد العريقي، عن تجربة سميرة القباطي.

تقول العريقي لمنصة هودج: "إن الأعمال التي قمنا بها مع المختصة سميرة القباطي كثيرة، واستمرت معنا بمهام الترميم وحصر الآثار أربعة أعوام، وكان اختصاصها التراث المادي، وبذلت الكثير لأجل ذلك".

من جهته، يشير نائب مدير عام هيئة الآثار بمحافظة تعز، أحمد جسار، إلى أن سميرة القباطي عملت على عرض التراث بأنواعه، واهتمت بتعريف المجتمع بقيمة الموروث والحفاظ عليه.

وزاد: "عملتْ بكل تفاني كأخصائية في الآثار مع الفرق الآثرية والهندسية، وشاركت على ترميم مدرسة ومسجد الأشرفية، ومشروع الحفاظ على مدينة تعز".

كما كان لها دور رئيسي في حصر التراث العمراني للمباني القديمة بتعز، وسهّلتْ عمل الفرق كونها امرأة ومصدر طمأنينة للأهالي، بحسب وصف جسار.

ويضيف في حديثه لمنصة هودج: "أعدتْ سميرة القباطي دراسات أثرية وتاريخية لبعض المعالم في المدينة، وهي امرأة تختلف عن بقية النساء، فلديها شخصية متميزة قوية، وتحررت من القيود المجتمعية".

توثيق المخطوطات الأثرية

عملتْ سميرة القباطي على حصر وتوثيق نحو ألف عنوان من المخطوطات المكتبية والتاريخية، ورتبتها بشكل علمي، كما اهتمتْ بالقطع الأثرية في المتحف الوطني بمدينة تعز.

ساهمت سميرة في تشكيل لجنة للحفاظ على المخطوطات والقطع الأثرية، ووضعها داخل حقائب خاصة مغلقة لحين استكمال ترميم مباني المتحف. لكن، بحسرة، تقول: "احترقت المكتبة في بداية الحرب وضاع كل شيء".

ويوضح جسار أن المخطوطات التي كانت موجودة في المتحف سابقًا تم نهب أغلبها، وإحراق البعض الآخر خلال الحرب، رغم الجهود المستمرة للحفاظ على ما تبقى من مخطوطات إسلامية وعبرية.

المرأة مختلفة

يتبنى كثيرون فكرة الاختلاف البيولوجي بين الرجل والمرأة كمنطلق ومعيار في تصنيف الأعمال قبولًا ورفضًا، وبناءً عليه يتم ممارسة التعنيف بحق النساء.

وفي هذا الشأن، تقول القباطي: "واجهتُ الكثير من التنمر والهجوم بداية عملي في الآثار، لدرجة أني وُصفتُ بـ"المسترجلة"، بينما وصفني آخرون بـ"المجنونة" لإصراري على عملي كمختصة آثار".

وتواصل: لكنني لم ألتفت إلى كل ذلك، وبذلت كل جهدي في عملي الذي أحبه، وحالفني الحظ بفرق عمل وزملاء ساندوني كثيرًا.

وهنا تشارك سعاد العريقي وتصف سميرة بأنها "إنسانة مناضلة" لا تخاف أبدًا، ومجتهدة في عملها بشكل كبير جدًا، وكانت قائدة لفرق عمل رجالية.

بينما يقول جسار: "لا اختلافات أبدًا بين الرجل والمرأة، وإن كان الرجل أكثر حضورًا في مهام التفتيش خلال أوقات متأخرة من الليل، وفي حالات التعديات على المناطق الآثرية أو محاولات السطو".

ورغم الشتات الذي صنعته الحرب، والخراب الحاصل، تختتم سميرة القباطي حديثها لمنصة هودج متفائلةً بطموحها بأن تؤسس مشروعًا لتطوير التراث اليمني الخاص بالأزياء، وأن تصل صورة اليمن تعز الجميلة للعالم أجمع.