كتبت/ عبير عبد الله

حولت منزلها الصغير إلى مدرسة، وبغرفة واحدة وعشة قش أصبح يمكن لأطفال قرية المحب، تلقي التعليم الذي حرمتهم منه الظروف المعيشية الصعبة والإهمال الحكومي وحالة الحرب في البلد.

تقول آمنة مهدي، المرأة الثلاثينية، أنها بعد قدومها للعيش في قرية المحب - عزلة المتينة الواقعة غرب مديرية التحيتا بمحافظة الحديدة، وجدت الكثير من الأطفال دون العاشرة يعملون صباحًا في مهن مختلفةوشاقة ولا يستطيعون القراءة و الكتابة.

 

مدرسة من غرفة واحد

وصلت آمنة إلى قرية المحب في العام 2016، حيث لا توجد مدرسة يحظر الجهل ويغيب الحق في التعليم. فبادرت آمنة إلى فتح أبواب منزلها لاستقبال الأطفال رغبة في التحرر من الأمية.

تقول آمنة: "في البداية كنت استضيف الأطفال في غرفة صغيرة واحدة رغم أنها ليست مهيأة كفصل دراسي، وأبدأ تعليمهم الحروف الهجائية وقراءة سورة الفاتحة إضافة إلى بعض السور القرآنية القصيرة".

استمر إقبال الأطفال وتوافدهم من مختلف أنحاء القرية، لتجد آمنة نفسها في تحد صعب أمام نحو 100 طفل يودون التعلم.

وسعت أمنة عدد الفصول إلى ستة، وبرفقة 4 من طالباتها المتفوقات تقوم بتدريس الفصول على التوالي بواقع ساعتين لكل فصل.

ووزعت آمنة الطلاب والطالبات في ثلاث مراحل أساس تبدأ من الصف الأول وحتى الثالث الابتدائي. واعتمدت في ذلك التوزيع معيارين اثنين هي الفئة العمرية ومقدرة الطلاب على تحمل درجة الحرارة حيث تعيش محافظة الحديدة الساحلية أجواء صعبة في ظل طقس حار وكهرباء غائبة معظم الوقت.

وبحسب آمنة فإن الدراسة تبدأ في منزلها في الثامنة صباحا بالنسبة للطلاب والطالبات ما دون 10 سنوات، تليها في العاشرة صباحا فئة ما دون الـ 13 في حين تبدأ دراسة الفئة الثالثة مافوق سن 13 بين الـ 12والـ 2 ظهراً.

 

حلمٌ يتحقق

يفترش تلاميذ آمنة الأرض أو ظل الأشجار هربا من شدة الحر، لكنهم لا يجدون في ذلك مشكلة ما داموا يتعلمون حد قولهم.

إدريس محمد، طفلٌ يبلغ من العمر 15 عامًا، يبدأ تعليمه في الصف الأول، كونه لا يجيد القراءة والكتابة لعدم وجود مدارس في قرية "المحب" التي يسكنها.

يقول أدريس أنه يأتي إلى منزل آمنه مع أصدقائه في القرية لتلقي بعض الدروس التي يستطيع من خلالها تعلم القراءة والكتابة، واصفا ذلك بالحلم الذي تأخر كثيرا كي يلتحق.

تشكل الغرفة الصغيرة لإدريس وغيره منالطلاب الذي يتوجهون صباحا إلى منزل آمنة فرصتهم الوحيدة للتعليم بعد سنوات طويلةمن الحرمان.

 

أما نوال الطفلة التي تجاوز عمرها العشرة أعوام قالت في حديثها مع منصة هودج إن أمنيتها قد تحققت اليوم بتعلم القراءة والكتابة بفضل آمنة.

وتأمل نوال أن تستمر في تعليمها إلى أن يصبح بمقدورها التعلم بشكل ذاتي كي تصبح معلمة أطفال مثل آمنة، خاصة وأن أبناء جيلها كما تقول "يعيشون ظروفا قاسية وهم محرومون من التعليم أيضًا".

 

مساندة رغم الإمكانيات البسيطة

وصل خبر فتح آمنة منزلها لتعليم أطفال قرية المحب إلى مكتب التربية في المديرية. ووفر المكتب 20 منهجا من الكتب الدراسية على أن يتشارك الكتاب الواحد مجموعة من الطلاب. بحسب ما أكده علي حمود محب، مدير مدرسة علي بن فخر الأساسية بمنطقة المتينة.

وأضاف محب في حديثه لمنصة هودج: "عملنا كذلك على توفير سبورة واحدة وطباشير، إلى جانب توفير شهادات معتمدة للطلاب الذين تمكنوا من اجتياز الاختبارات، لتمكينهم من مواصلة تحصيلهم الدراسي".

حتى الان، حررت آمنة 200 طالبا وطالبة من الأمية بينهم 150 من الذكور و50 من الإناث باستخدام غرف منزلها الخاص وتحت ظلال عشش والأشجار المجاورة.

وأعرب أهالي الطلاب في حديثهم مع منصة هودج عن عتبهم إزاء رأس المال الوطني والوجاهات الاجتماعية الذين لم يلتفتوا يوما لحال أبناء العزلة التي لا تتوفر فيها سوى مدرسة أساسية صغيرة لا تكفي لاستيعاب أطفالهم، كما لم يقدموا شيئا لمساندة آمنة رغم مقدرتهم على فعل ذلك حد وصف الأهالي، حسب قولهم.

تتبع مديرية التحيتا إداريا محافظة الحديدة التي تعاني بمجملها من قلة عدد المدارس والكثير من الحياة البائسة لعامة الناس حالها حال السهل التهامي برمته.

يقطن المحافظة نحو 2.5 مليون نسمة وتتضمن نحو 1,200 مدرسة، بحسب احصائيات عام 2010، غير أن المدارس موزعة بطريقة لا تراعي التجمعات السكانية النائية، ما يتسبب في صعوبة وصول عدد كبير من أطفال عدد من قرى وتجمعات المديرية الفقيرة إلى المدارس البعيدة.

 

أرقام مخيفة

يفيد تقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف"، أنه من الممكن أن يصل عدد الأطفال الذين يعانون من الاضطرابات التي تلحق تعليمهم إلى 6 ملايين طالب وطالبة.

وأكد التقرير أيضا أن  2.916 مدرسة، واحدة على الأقل من بين كل 4 مدارس، تضررت جزئيا أو كليا أو تم استخدامها لأغراض غير تعليمية خلال سنوات الصراع الذي يشهده البلد منذ العام 2015.

وتعليقا على ذلك، قال الدكتور عبدالكريم غانم أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة صنعاء، إن "تراجع الانفاق العام على التعليم، وانقطاع رواتب المعلمين في معظم المحافظات اليمنية، وتوقف النفقات التشغيلية للمدارس والمؤسسات التعليمية المختلفة، ترافقا مع فقدان الكثير من الأسر مصادر دخلها، غير اولويات الكثير من الناس ووسع دائرة التسرب من التعليم".

وأشار دكتور غانم في حديث إلى منصةهودج إلى أن "المنظمات الدولية كانت هي الأخرى لها أولويات بعيدة عن دعم التعليم، حيث ذهبت جهودها أكثر باتجاه تأمين الاحتياجات الغذائية والإيوائية والدوائية للنازحين والفئات الضعيفة في المجتمع، وتغافلت إلى حد كبير عن الانهيار الذي أصاب قطاع التعليم منذ اندلاع الحرب، وما لهذا الانهيار من تداعيات مستقبلية على مختلف مناحي الحياة في المجتمع".

ويواجه الهيكل التعليمي مزيدا من التحديات بسبب الحرب. وأشارت اليونيسيف في تقريرها إلى أن نحو 172 ألف معلم ومعلمة، أكثر من ثلثي المعلمين، لا يحصلون على رواتبهم بشكل منتظم منذ العام 2016 مادفع بالكثير منهم إلى الانقطاع عن التدريس والبحث عن مهن أخرى لتوفير لقمة العيش.