عبداللطيف سالمين
"حياتنا جحيم"، كلمتان لخصت بها نازحة يمنية أوضاعها ونظيراتها من النساء اليمنيات في مخيمات اللجوء بمحافظة عدن جراء الحرب المشتعلة في البلد منذ أكثر من سبع سنوات.
تحكي (أ.ح.م)، في العقد الخامس من عمرها، القادمة من محافظة الحديدة عن أوضاع النازحات اليمنيات، قائلة: "تُصرف الملايين على أنها تُقَدم مساعدات لنا، ولكن في الواقع لا يصلنا إلا الفتات، ولو قام من يدّعون اهتمامهم بنا بصرف نصف تلك المبالغ على إعادة تأهيل النساء النازحات، ومساعدتهنّ على الخروج من صدمات العنف والنزوح، وتهيئتهنّ للانخراط في سوق العمل، لكان حالي وحال من هنّ مثلي أفضل مما هو عليه اليوم"، وتضيف: "لا أحد يهتم بنا من المسؤولين سوى من خلال مساعدات شحيحة الهدف منها التقاط الصور".
وتطالب (أ.ح.م) الجهات المعنية ومنظمات الإغاثة بمساعدة النساء النازحات في توفير بيئة عيش كريمة وأمنة لهنّ، وإنقاذهنّ مما وصفته بجحيم المخيمات أو الشارع حيث تتجه غالبيتهنّ للبحث عن لقمة العيش لهنّ ولأسرهنّ، حسب قولها.
ثمن باهض
مؤخرًا، كشفت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن الحرب اليمنية أدت إلى نزوح نحو 4 ملايين شخص معظمهم من النساء والأطفال، بينهم %64 لا يملكون أي مصدر للدخل، وأوضحت المفوضية أن "واحدة من بين كل أربع عائلات ليس لديها مراحيض أو حمامات أو مرافق لغسل الأيدي بالقرب من مآويها".
"نعيش وننام ونأكل ونطهو الطعام في هذه الخيمة الباردة دون وجود أسِرّة أو ألبسة وأغطية تقي أطفالنا صقيع الشتاء"
وتدفع النساء والفتيات في اليمن ثمنًا باهظًا، بحسب صندوق الأمم المتحدة للسكان، بسبب تهالك النظام الصحي، إذ لم يبقَ من المرافق الصحية سوى النصف، 20% من هذه المرافق فقط تعنى بخدمات صحة الأم والطفل، حيث تموت امرأة أثناء الولادة كل ساعتين بحسب الصندوق.
ويقدر ملتقى الموظفين النازحين الذين يعملون بشكل طوعي من خلال إحصائيات تقريبية لعدد النازحين استنادًا إلى تقارير منظمات حقوقية في عدن بما يقارب مليون نازح من مختلف المحافظات، فيما يبلغ عدد الموظفين النازحين حسب الملتقى قرابة سبعين ألف موظف نازح معظمهم من أبناء المحافظات الجنوبية الذين كانوا موظفين في المناطق التي سيطرت عليها الجماعة الحوثية.
معاناة مستمرة
وتقول سميرة أحمد، نازحة من مدينة مأرب في العقد الرابع من عمرها، لمنصة "هودج": "لا توجد أية ملامح للحياة في هذا المخيم، نزحنا إليه منذ شهرين ونصف، ولم تصلنا حتى اللحظة أي منظمة لتقدم لنا العون والمساعدة"، وتتابع: "تنقلت للعيش بين 3 مخيمات خلال الأربع سنين الأخيرة، قبل أن ينتهي بي المطاف في مخيم في مدينة عدن".
تضيف سميرة بحسرة: "نعيش وننام ونأكل ونطهو الطعام في هذه الخيمة الباردة دون وجود أسِرّة أو ألبسة وأغطية تقي أطفالنا صقيع الشتاء، وعندما نمرض لا نملك ما نذهب به للمستشفيات كي نتلقى العلاج. نحن نعاني الفقر و الجوع والمرض"
لماذا لا يتحدث اليمنيون عن معاناة النازحات؟
وعن سبب عدم الحديث وتناول قضية النازحات اليمنيات بما يتناسب مع حجم المعاناة، تقول الناشطة والصحفية عهد ياسين: "يعود ذلك لكون اليمنيين لا يحبون أن يقتاتون العطف والشفقة؛ لهذا لا يتحدثون عنها بحجمها الكارثي للمجتمع الدولي وللمنظمات الدولية، وهذا يزيد من تعقيد المشكلة".
وتوضح ياسين: "أغلب النساء النازحات يعشنّ ظروفًا صعبة لا تضمن أي أمن أو كرامة لهنّ؛ وذلك يعود لكونهنّ لا يتحصلنّ على أي دخل أو مسكن يحفظ كرامتهنّ أثناء النزوح".
"تتحمل المرأة أيضًا متاعب نقل الماء والحطب، وتتعرض للمضايقات أثناء ذلك، ولا تجد مساحة لحريتها وخصوصيتها في المأوى جراء التخطيط العشوائي"
وعن التدابير التي يجب أن تُتخذ لمساعدة النازحات، تقول ياسين إن "الأولوية تتمثل في توفير المسكن ودخل أو عمل تستطيع أن تقتات منه النازحة"، مؤكدة أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر تقوم بجهود كبيرة في اليمن، ولكن مشاكل النزوح تبدو كبيرة، وتضيف: "لهذا ندعوها لأن تقوم ببذل جهد أكبر تجاه هذه المشاكل، وأن تستعين بالمجتمع الدولي ليتدخل ويدعم إيجاد حلول لها".
تحدي صعب
وفي السياق، تحدثنا مع مدير الهيئة التنفيذية لمخيمات النازحين في اليمن، نجيب السعدي، الذي أوضح أن نشاط الهيئة التنفيذية يتعلق بحماية ومساعدة النازحين والمجتمعات المتضررة من النزوح، و استقبال وتسجيل النازحين، و متابعة احتياجاتهم والعمل على توفيرها، إضافة إلى توفير الأراضي لإنشاء المخيمات ومنع التهديدات والإخلاءات، وتسهيل عمل المنظمات للوصول إلى النازحين، وإشراكهم في التخطيط لمستقبلهم ومناقشة الحلول الدائمة، والعمل عليها لإيجاد حلول دائمة للنزوح.
وقال السعدي إن هناك عوائق كثيرة تحول دون مزاولتهم أنشطتهم، تأتي في أولها "تعدد نافذات العمل الإنساني، وتعدي بعض مؤسسات الدولة على مهام الوحدة التنفيذية، وغياب مؤسسات الدولة، وهذا كله يؤدي إلى ضعف العمل الإنساني، إضافة إلى ضعف التمويل، واستمرار تدفق النازحين جراء الحرب".
"لا أحد يهتم بنا من المسؤولين سوى من خلال مساعدات شحيحة الهدف منها التقاط الصور"
وتطرق السعدي في حديثه إلى الضرر النفسي الذي تواجهه النازحات والتحدي المعيشي، قائلًا: "تعاني المرأة النازحة معاناة شديدة، سواء جراء قيامها بمهام ربة البيت، أو نتيجة للأعباء التي يفرضها النزوح مثل حماية الأطفال، كما أن كثيرًا من النساء هنّ من يقمنّ بإعالة أسرهنّ، والبعض يتعرضنّ للعنف الأسري بسبب سوء الأوضاع"، ويضيف: "تتحمل المرأة أيضًا متاعب نقل الماء والحطب، وتتعرض للمضايقات أثناء ذلك، ولا تجد مساحة لحريتها وخصوصيتها في المأوى جراء التخطيط العشوائي، سواء كان في الخيام، أو في الحمامات المشتركة خاصة في الليل، إذ أن أغلب المخيمات تفتقر للإضاءة، وتظل تدخلات الشركاء الإنسانيين ضعيفة ولا ترتقي إلى المستوى المطلوب".
ونفى السعدي تجاهل الدولة احتياجات النازحات لعملية التأهيل النفسي والمعيشي لافتًا إلى أنها تعمل مع المنظمات الدولية من أجل توفير ذلك، وعن سبب عدم إعادة تأهيل النساء النازحات، والعمل على معالجة صدمة العنف والنزوح، وتهيئتهنّ للانخراط في سوق العمل، قال السعدي: "حجم الاحتياج في جانب التأهيل والدعم النفسي والصحي والاقتصادي للمرأة النازحة أكبر بكثير من حجم التدخلات، كما أن تدخل المنظمات يكون غير مخطط، ولا يتم التدخل بناء على الاحتياج الذي يجب أن يتم من قبل الجهات الحكومية، حيث تقوم المنظمات بالتخطيط للتدخلات بناء على ما تراه هي، وغالبًا ما تكون التدخلات بعيدة عن طبيعة الاحتياجات" .