محمد المخلافي
لم تفكر ندى في ذلك الوقت سوى بارتداء الفستان الأبيض، وبتفاصيل فرحة الزفاف واجتماع الصديقات حولها، نست أنها لا تزال صغيرة، وأنها لن تتمكن من تحمل الزواج بكل ما يترتب عليه من مسؤوليات رعاية البيت والحمل وإنجاب وتكوين أسرة، "لم أكن أعلم ما سيحصل لمستقبلي الصغير نتيجة هذا الارتباط الذي حولني إلى شخصية ضعيفة لا أمتلك أي قرار في حياتي الزوجية".
طفولة مهدورة
تزوجت ندى برجل أكبر منها بعدة سنوات وهي لا تزال بعمر الخامسة عشرة، وعلى الرغم من ذلك لم يظهر عليها أي مبادرات للرفض، بل كانت مسرورة إلى حدٍ كبير وجاهلة بالعواقب، وكان فرحها يشبه فرح عائلتها تمامًا، حد قولها.
"الزواج المبكر يتسبب بكثير من التأثيرات السلبية صحيًا واجتماعيًا للفتاة، وهو عبء كبير يجعلها غير قادرة على تحمل متاعب الزواج، والخلافات التي تحدث بين الزوجين ما هي إلا نتائج طبيعية للضغوط النفسية"
وبحسب ندى، فقد أنجبت أول طفلة حين كانت في السادسة عشر من العمر، وعانت كثيرًا نتيجة لتدهور صحتها الجسدية والنفسية، موضحة: "لا أتذكر أي استقرار حدث بيني وبين زوجي، كانت دائمًا الأجواء متوترة ولم يكن هناك أي تفاهم أو انسجام بيننا، كان يهرب مني وأهرب منه، تجاهلني وتجاهل طفلتي، فكان الطلاق النتيجة النهائية لتلك الزيجة المُبكرة التي أضعت بها شبابي وأنا في سن مُبكرة".
طريق مسدودة
وفي حديثها لـ "هودج"، تقول ندى: "كنت أملك صحة جيدة وأعيش حياتي كما يجب قبل زواجي، لقد تدمرت صحتي بسبب الإنجاب المبكر واستخدام وسائل منع الحمل"، وتضيف: "تعرضتُ للإهمال من قبل زوجي بعد ولادة الطفل الثالث، ووصلت إلى طريق مسدود، حيث تطلقت وعمري 26 عامًا بعد وصولي إلى مرحلة معقدة جدًا".
أضرار صحية
من جهتها، تقول الدكتورة فاطمة المصباحي، أخصائية نساء وولادة بمركز الصحة الإنجابية بأمانة العاصمة، إنه على الرغم من التقدم الذي نحن فيه الآن، إلا أن عدد الفتيات الحاملات في سن مُبكرة يتزايد بشكل مستمر، مؤكدةً أن الزواج المبكر يتسبب بكثير من التأثيرات السلبية صحيًا واجتماعيًا للفتاة، وأنه عبء كبير يجعلها غير قادرة على تحمل متاعب الزواج، والخلافات التي تحدث بين الزوجين ما هي إلا نتائج طبيعية للضغوط النفسية التي تحدث في هذه الحالة.
ما لا يقل عن 60% من الفتيات اليمنيات يتزوجنّ قبل بلوغ الثامنة عشرة من عمرهنّ، في حين تتزوج أخريات بنسبة تتراوح ما بين 30% و 40% قبل بلوغهنّ الـ 15 عامًا،
وتعد مضاعفات الحمل والإنجاب من الأسباب الرئيسية للوفاة، حيث تؤكد الدكتورة فاتن الكوكباني، أخصائية نساء وولادة بمستشفى الرازي، في حديثها لـ "هودج"، أن الفتيات اللواتي تتراوح أعمارهنّ بين 5 إلى 19 عامًا يتعرضنّ لأضرار صحية غالبًا بسبب تأثيرات ومضاعفات كبيرة، سواء أكانت تمزقات أو مضاعفات أخرى كالولادة المُبكرة؛ لعدم اكتمال نمو الرحم أو عدم تحمله، مما يؤدي لتعرض الزوجة القاصرة للإجهاضات أو التعسف أثناء الولادة، أو حدوث تمزقات في المنطقة التناسلية، وقد يؤدي إلى وفاة الأم أو الجنين أحيانًا.
عُنف وإيذاء جسدي
ومن جهةً أخرى، تقول الناشطة نعمة حسين لـ "هودج" إن الفتيات التي يتزوجنّ في سن مبكرة عادةً يكنّ عرضةً للعنف الجسدي والمنزلي، وبحاجة إلى وسائل للدفاع عن النفس في ظل غياب القوة الجسدية، مؤكدةً: "زواج الفتاة في سن مُبكرة يجعلها أكثر عرضةً للإصابة بالأمراض النفسية، وهو من أهم الأسباب الرئيسية لكثير من المشاكل الأسرية بسبب عدم قدرتها على تحمل مسؤولية الزواج والتعامل مع الأطفال بالطرق الصحيحة".
أرقام وإحصائيات
تزداد سنويًا نسبة زواج القاصرات في اليمن، حيث أظهرت دراسة لمركز الرصد والحماية في منظمة سياج للطفولة أن ما لا يقل عن 60% من الفتيات اليمنيات يتزوجنّ قبل بلوغ الثامنة عشرة من عمرهنّ، في حين تتزوج أخريات بنسبة تتراوح ما بين %30 و 40% قبل بلوغهنّ الـ 15 عامًا، وتتفاوت نسب تزويج الصغيرات من منطقة إلى أخرى، فهو منتشر بشكل أكبر في الريف الذي ينتمي إليه نحو 70% من إجمالي سكان اليمن البالغ نحو 24 مليون نسمة، غالبيتهم إناث، بحسب منظمة سياج، وأوردت دراسة ميدانية أعدها مركز أبحاث ودراسات النوع الاجتماعي والتنمية في جامعة صنعاء أن 52% من الإناث تزوجنّ قبل سن الـ 15 عامًا.