كتب/ محمد الأصبحي

"أشعر بأني آلة مجبرة على الإنجاب المتواصل".. بهذه العبارة تبدأ الثلاثينية مريم –اسم مستعار– حديثها عن معاناتها مع الحمل المتكرر دون انقطاع، التي بدأت قبل حوالي 16 عامًا، حرصًا منها على تنفيذ أوامر زوجها الذي لا يساوم في مسألة "الوريث الذكر".

تقول مريم: "رغم أن الوضع المادي لزوجي متدهور، إضافةً إلى زيادة متطلبات الأطفال يومًا بعد آخر (خمس فتيات)، إلا أنه ما زال يسعى حثيثًا لإنجاب ذكر يحمل اسم العائلة، ويحمي أخواته البنات، كما يبرر".

أُجبرت مريم على الحمل المتكرر، وزوجها منعها من استعمال أدوات تنظيم الأسرة، غير مراعي حالتها الصحية والنفسية جراء الولادات المتكررة. كما أنه لا يكف عن تعنيفها كلما أنجبت فتاةً ويهددها بالطلاق، أو الزواج بأخرى.

تجد مريم صعوبةً في الحركة، ولديها مشكلات في ظهرها والكلى نتيجة الولادات المتقاربة. وكلما أخبرت زوجها بمعاناتها الصحية، يخبرها بأن عليها إنجاب ذكر لترتاح من هذه الآلام. وتتحسر: "...وكأني أنا المسؤولة عن جنس الجنين!".

أضرار صحية

وتعلق أخصائية جراحة النساء والولادة بهيئة مستشفى الثورة العام في تعز، دكتورة كفاح عبده الراجحي، على مثل هذه الحالات، بأن عملية الولادة المستمرة، وخصوصًا المتقاربة، تتسبب بمشكلات جسدية كثيرة، مثل الإنهاك المستمر لجسد المرأة، وزيادة قابليته لأمراض الضغط والسكر.

بالإضافة إلى ما أسمته بـ"السقوط الرحمي والمهبلي"، والالتصاقات بالبطن بشكل دائم، وقد تتسبب في حدوث انفصال أو انفكاك في المشيمة؛ محدثًا نزيفًا حادًا قد يؤدي إلى الوفاة، بحسب دكتورة الراجحي.

وتواصل: "التأثيرات السلبية الناجمة عن الحمل والولادة المتكررة قد تطال الجنين أيضًا، الذي ربما يصاب بفقر الدم ونقص الكالسيوم وارتفاع نسبة الإجهاض والولادة المبكرة، مع زيادة احتمال إنجاب أطفال منخفضي الوزن أو لديهم تشوهات خلقية".

أما فيما يخص نوع الجنين، تقول دكتورة كفاح الراجحي: "ليس من العلمي لوم الزوجة على جنس الجنين، فهي تحمل كروموسومات X فقط، بينما يحمل الزوج كروموسومات YX في الحيوان المنوي للرجل، وهي المسؤولة عن تحديد جنس المولود".

وتنصح الراجحي النساء بالمحافظة على صحتهنَّ من خلال وعيهنَّ بالأضرار الناتجة عن الحمل المتكرر والولادات المتقاربة، التي غالبًا ما تكون غير مخطط لها. كما دعتهنّ للمباعدة بين الولادات بمقدار سنتين أو ثلاث على الأقل للحفاظ على صحة الأم والطفل.

مشكلات نفسية

ونفسيًا، تُصاب المرأة -بسبب كثرة الإنجاب والولادات المتقاربة- بالضغط النفسي وعدم القدرة على تحقيق التوازن والمرونة النفسية في مواجهة ضغوط الحياة ومسؤولياتها، بحسب الأخصائية النفسية سمية الصلوي.

وتضيف الصلوي: "وقد تصاب المرأة بنوبات الاكتئاب بسبب التغيرات الهرمونية خلال الحمل والولادة؛ نتيجة كثرة الأعباء الملقاة على عاتقها في المنزل وخارجه، والتي تزيد عند المرأة الريفية التي لا يتقاسم معها الزوج هذه الأعباء".

فالزوج يعتبر أن مسؤولية الإنجاب والتربية تقع على عاتق المرأة بمفردها، وهنا لا بد من تنظيم الإنجاب لعدم الشعور بالضغط العصبي، تقول سمية الصلوي.

ضغط مجتمعي

للضغوط الاجتماعية من أهم المصادر التي تجبر الزوجين على إنجاب أكبر قدر من الأبناء، خصوصًا في الأرياف، كون المجتمع اليمني المحافظ يقوم على ثقافة حب الجاه والاعتزاز بالنسب وكثرة النسل.

ولا مجال لتأخير الإنجاب أو حصره؛ لأن ذلك يتعارض مع الثقافة والعادات الاجتماعية المتوارثة. وغالبًا ما تتعلق قضايا الطلاق بالحرص على الإنجاب، ومراعاة العرف الاجتماعي السائد، كما يفيد بذلك أستاذ علم الاجتماع بجامعة تعز، دكتور محمود البكاري.

ويضيف البكاري: "يفضل الآباء إنجاب الذكور كونهم قادرين على تحمل المسؤولية، والمساعدة في أعمال الزراعة وتربية الثروة الحيوانية. كما يُسهمون في رعاية الأسرة والدفاع عن مصالحها، ويُنظر إليهم على أنهم رمز للمكانة الاجتماعية".

كما يشير إلى أن: "دور المرأة المجتمعي يتأثر نتيجة تحمل مشاق الإنجاب المتكرر، على حساب صحتها وحياتها الاجتماعية، ولو رفضت ذلك عوقبت أسريًا واجتماعيًا بشكل مباشر وغير مباشر".

يُذكّر البكاري في ختام حديثه، بأهمية الوعي المجتمعي حول تنظيم النسل بما يتناسب مع تطور الحياة وتعقيدات الأوضاع المعيشية في المجتمع، والتي تعتبر مسؤولية تكاملية بين الجهات الرسمية والأهلية والمجتمعية.

غياب التشريعات

إضافة إلى حرمان النساء من الوصول للخدمات الصحة الإنجابية والحماية، حيث تموت امرأة كل ساعتين أثناء الحمل والولادة وما بعدها لأسباب يمكن الوقاية منها إلى حد كبير من خلال الوصول إلى الرعاية الماهرة، بحسب صندوق الأمم المتحدة للسكان.

كما تغيب التشريعات في القانون اليمني التي تكفل حق الزوجة في الإنجاب كفالة كاملة.

المحامية والناشطة الحقوقية أمل الصبري تقول: "لا توجد نصوص قانونية تكفل حق المرأة في الإنجاب بشكل واضح، وغالبًا ما يتم الرجوع إلى المواد التي تنص على عدم إلحاق الأضرار الجسدية والمادية والنفسية بالزوجة في حال تعرضت لعنف من هذا النوع".

وتوضح الصبري أن اليمن من الدول المصادقة على الاتفاقية الدولية للقضاء على كافة أشكال التمييز، التي تنص مادتها الـ 16 على أن للمرأة "نفس الحقوق في أن تقرر، بحرية وبإدراك للنتائج، عدد أطفالها والفاصل بين الطفل والذي يليه، وفي الحصول على المعلومات والتثقيف والوسائل الكفيلة بتمكينها من ممارسة هذه الحقوق".

وترى الصبري "أن المرأة الريفية هي الأكثر عرضة للأضرار الناتجة عن الإنجاب المتكرر والولادات المتقاربة، كونها ضحية للجهل والعادات المجتمعية القامعة لحريتها مع صعوبة الوصول إلى الخدمات الطبية وخدمات الصحة الإنجابية".

وتختم حديثها: "يجب على المرأة أن تعي بأن لها الحق في اتخاذ قرار الحمل والإنجاب، بما يضمن لها الحفاظ على صحتها الجسدية والنفسية، ويجب ألا تقبل أن تكون مجرد مصنع، ينجب طفلًا كلما اقتضت رغبة الرجل بذلك".

تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع تعزيز دور وسائل الإعلام في دعم قضايا الصحة الإنجابية والعنف القائم على النوع الاجتماعي   الذي ينفذه مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي