كتب/ محمد باحفين

في بيئة محافظة تراقب بحذر مشاركة المرأة في المجالات الفنية، برزت الشابة خديجة الحبشي كرمز للتحدي والإبداع، وكأول امرأة تدخل ميدان الإخراج السينمائي في محافظة حضرموت التي تقع شرقي اليمن والمطلة على البحر العربي. بمشاريعها الطموحة ورسائلها المؤثرة، استطاعت خديجة أن تجذب اهتمام المجتمع المحلي كقصة نجاح مميزة، تجسد إرادة الشباب الحضارم في مواجهة تحدياتهم بطرق مبتكرة. لم يكن مجال الإخراج خيارًا مألوفًا في مسيرتها التعليمية، لكنها تحلت بالشجاعة والإصرار لتشق طريقها وتصبح صوتًا مؤثرًا لشباب حضرموت.

بدأت خديجة قبل 7 أعوام مسيرتها بحب عميق للأفلام، فعملت في شركة محلية حيث انطلقت كإحدى أعضاء دائرة الإنتاج ثم كمساعدة مخرج فني. كانت تجربتها الأولى من خلال إخراج فيلم وثائقي على مستوى اليمن، ما أتاح لها الفرصة لاكتساب علاقات واسعة وشكل نقطة تحول في مسيرتها الإبداعية. واجهت في بداياتها تحديات تتعلق بتوقعات المجتمع تجاه عمل المرأة في الإخراج، لكنها تقبلت آراء الناس – سواء كانت إيجابية أو سلبية – واستمرت في التعلم والتطوير رغم صعوبة الميدان.

فيلم صوت المغيبين

أول أعمال خديجة كان الفيلم القصير "بين الشباك"، الذي يتناول قضية حساسة تمس واقع الشباب الطموح. يسرد الفيلم قصة شاب موهوب في كرة القدم، حُرم من فرصة تحقيق حلمه بسبب المحسوبية والواسطة، تلك الآفات التي تعرقل تقدم الشباب في كثير من المجتمعات. رسخت خديجة من خلال هذا العمل جرأتها على تناول قضايا حقيقية ومعقدة، وطرحت بجرأة تأثير العلاقات الشخصية على الفرص، لتفتح النقاش حول ضرورة التغيير المجتمعي والمؤسسي.  

كان عرض الفيلم حدثًا استثنائيًا، حيث استُحدثت قاعة عرض مؤقتة في مكتب وزارة الثقافة بوادي وصحراء حضرموت في مدينة سيئون، نظراً لغياب دور السينما في المنطقة. جذب العرض مسؤولين من الدولة وشبابًا ومهتمين، الذين أعربوا عن إعجابهم بالعمل وبمدى جديته وجرأته في طرح قضية يعاني منها الكثيرون، مما يؤكد دور الفن كوسيلة قوية للتعبير عن التحديات اليومية للشباب.  

فيلم "بين الشباك" حمل في طياته رسالة أعمق للشباب الطامح في حضرموت واليمن عمومًا، مؤكدًا على أهمية المواجهة الجماعية لتحديات الواسطة والمحسوبية، وتعزيز الشفافية والعدالة. تعتقد خديجة أن هذه الرسالة تمتد أبعد من مجرد قصة فردية، فهي تحث الشباب على المثابرة ومقاومة اليأس، وتحلم بمستقبل أكثر إنصافًا، حيث تتيح الفرص بناءً على الكفاءة والموهبة.  

تصف خديجة أيضًا أن تجربة فيلم "بين الشباك" بأنها كانت علامة فارقة في مسيرتها، إذ حققت من خلالها جزءًا من طموحها وتجاوزت العديد من التحديات.

أهمية مشاركة النساء

يشير المخرج حسن باحريش إلى أن تمثيل النساء في مجال الإخراج السينمائي يمثل خطوة جوهرية نحو تحقيق التنوع في رؤية القصص وتقديم زوايا جديدة للتعبير الفني. ويساهم وجود المخرجات في إثراء المشهد السينمائي، حيث يُضفن رؤى مختلفة وتجارب حياتية تُثري المحتوى وتجذب جمهورًا متنوعًا.  

ويوضح أيضًا أن نسبة المخرجات في حضرموت تبقى منخفضة نسبيًا نتيجة لعدة عوامل، منها التحديات الثقافية والاجتماعية ونقص الفرص التدريبية المتاحة، ما يعيق تطور مهاراتهن واكتساب الثقة لخوض هذا المجال. كما أن قلة الدعم المؤسسي وغياب منصات الدعم المحلي تُضعف فرص انطلاق المواهب النسائية الشابة، إضافةً إلى صعوبة التوازن بين العمل والمسؤوليات الشخصية، مما يعيق التركيز على المسيرة السينمائية.  

وعلى الرغم من أن المخرج باحريش لم يعمل سابقًا مع مخرجات على حد وصفه، إلا أنه يتطلع إلى فرصة التعاون معهن ويؤمن بأن الرؤية النسائية تضفي عمقًا وجوانب مميزة لأي عمل فني، خاصة في التفاصيل الدقيقة التي قد تهتم بها المرأة مثل التناسق البصري والألوان والديكور. لهذا فإن تشجيع النساء على دخول مجال الإخراج يتطلب خطوات عملية، مثل إنشاء معاهد تدريبية، وتوعية المجتمع بأهمية هذا الدور للمرأة، خاصة في المجتمعات المحافظة.

كسر الحواجز

بعد نجاح "فيلم بين الشباك"، تطلعت خديجة إلى توسيع أفقها الإبداعي نحو حفظ التراث الثقافي عبر فيلم وثائقي جديد في العاصمة الأردنية عمّان. يركز هذا المشروع على "السمع" أو "الزربادي"، وهو أسلوب غنائي شعبي حضرمي يعكس عمق الإرث الثقافي الحضرمي. ترى خديجة أن هذا الغناء ليس مجرد تعبير فني، بل هو رمز للهوية الحضرمية، وجزء من التراث اللامادي الغني، الذي يعتبر ركيزة مهمة لحضارة المنطقة.  

هذا الفيلم يهدف إلى توثيق التراث الحضرمي، وتسليط الضوء على أهمية الفنون الشعبية كوسيلة للحفاظ على الهوية الثقافية، خاصة في ظل التغيرات المجتمعية السريعة.  

تعتبر خديجة أن هذا المشروع فرصة للتعاون بين المجتمعات المحلية والمنظمات الثقافية العالمية، لدعم التراث كجزء من التنوع الثقافي الذي ينبغي الحفاظ عليه وتعزيزه.  

ولم تكن رحلة خديجة في الإخراج مجرد نجاح فردي، بل هي علامة فارقة في تمكين المرأة في حضرموت واليمن. بخطواتها الجريئة، أثبتت أن المرأة اليمنية قادرة على المشاركة الفعالة في القطاعات الثقافية والفنية التي طالما كانت حكرًا على الرجال. تسهم قصة خديجة في لفت أنظار المنظمات الدولية ووكالات التنمية والجهات المانحة إلى قدرات النساء اليمنيات، وتؤكد على ضرورة توفير المزيد من الدعم والمساندة لتطوير مساراتهن المهنية وإيصال أصواتهن للعالم.  

من خلال هذه التجربة، تصف خديجة مجال صناعة الأفلام بأنه "حديقة أحلامها" وتؤكد تطلعها المستمر لصقل مهاراتها والوصول إلى العالمية عبر تجاربها المتنوعة. كما تساهم بشكل فعال في دعم النساء، مقدمةً لهن فرصًا من خلال المنح والتدريب في مجالات التصوير والإخراج، مما يسهم في تمكينهن للوصول إلى أهدافهن وإحداث التغيير عبر الإعلام والفن.