كتبت/ نور سريب

 

بين تمكين محدود وتهميش وإقصاء واسع يترنح مؤشر المشاركة السياسية للمرأة في اليمن. وفي مدينة عدن تحديدا التي شهدت قبل أربعة عقود تمكينا عالي المستوى وتصديقا على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة"سيداو" العام 1984م، جاءت حرب 2015 لتطيح بكل ذلك الإنجاز يقول واقع الحال.

مؤخرا بدأت مرحلة التعافي مع تأسيس اللجان المجتمعية، بقرار من محافظ عدن أحمد حامد لملس في 19 أكتوبر 2021م.

  "منحنا المرأة فرصة لتولي رئاسة الأحياء والمشاركة كمسؤولة في تعزيز السلم الأهلي، كما أسندنا إليها مهام التعامل مع قضايا المرأة والطفل، وحل النزاعات التي تطرأ بين النساء في الأحياء والمديريات، إلى جانب العمل على الحد من العنف القائم على النوع الاجتماعي".

خطوات أولى

تصدرت المرأة في عدن خلال عقود ماضية المشهد في شبه الجزيرة العربية في مختلف المجالات الحقوقية والسياسية والإعلامية، كشريك أساسي لعب أدواراً متنوعة. لكن النظام السابق أقصى المرأة وحدد دورها وحرمها من الوصول إلى المراكز القيادية، وعزز ذلك في الخطاب التعليمي الذي حصر دورها في قالب معين، كأم وأخت، واستثنى دورها كأستاذة وطبيبة ومديرة ومحامية وقاضية. بحسب مدير عام اللجان المجتمعية في العاصمة المؤقتة عدن، علي النمري.

وأضاف: "قررنا هذا العام الاحتفاء بيوم المرأة العالمي الثامن من مارس 2024م بصدور قرار تمكين 366 امرأة للعمل ضمن اللجان المجتمعية في المديريات والأحياء المختلفة في العاصمة عدن، بهدف مشاركة المرأة في إدارة المجتمع وتمكينها من الوصول إلى مراكز صنع القرار، وحرصنا على تعزيز وجود المرأة في اللجان المجتمعية بنسبة تتجاوز الـ30%، وهي الكوتا المحددة في الإطار السياسي".

وأوضح النمري في حديثه لمنصة هودج: "منحنا المرأة فرصة لتولي رئاسة الأحياء والمشاركة كمسؤولة في تعزيز السلم الأهلي، كما أسندنا إليها مهام التعامل مع قضايا المرأة والطفل، وحل النزاعات التي تطرأ بين النساء في الأحياء والمديريات، إلى جانب العمل على الحد من العنف القائم على النوع الاجتماعي".

وحول بداية انطلاق عمل المرأة في اللجان، تقول رئيسة سكرتارية المرأة والطفل في قيادة اللجان المجتمعية بالعاصمة عدن، ممتاز عبد الشكور: "كانت البداية موفقة رغم شح الإمكانيات؛ كانت بداية العمل من خلال جمع المتطوعات وتحفيزهن على العمل المجتمعي". وتوضح ممتاز:"كمثال، وبصفتي رئيسة سكرتارية المرأة والطفل في مديرية المعلا، قمت بجمع النساء الراغبات في التطوع معنا، وكان عددهن ست نساء. وبعد فترة قصيرة من العمل في التوعية ومساعدة الأهالي في بعض القضايا التي ترتبط بالحياة اليومية، انتشرت الفكرة بشكل أوسع في الأحياء وتزايد عدد المتطوعات ليصل إلى 100 امرأة عضوة في اللجان، بمعدل ست نساء لكل حي من أحياء المديرية الـ18. ويجب الإشارة هنا إلى أن جميع رؤساء اللجان السابقين والحاليين في المعلا، بل وعلى مستوى محافظة عدن، تعاونوا معنا وسهّلوا لنا العمل في مختلف الأحياء والمديريات".

 

دور المرأة في اللجان المجتمعية

تلعب عضوات اللجان أدواراً متعددة، كتمثيل النساء في اجتماعات السلطة المحلية والعمل مع المنظمات والمبادرات لتوعية وتدريب النساء، وإيصال الشكاوى الخدمية، وحل النزاعات، بحسب عضوات في اللجان. تقول مديرة المرأة والطفل في اللجان المجتمعية في مديرية التواهي، فائزة عبده عبدالله القباطي: "منذ بداية عمل اللجان في 2021، قدمنا في التواهي نموذجاً جيداً لنشاط المرأة وقدرتها على الأداء السياسي والاجتماعي، مما ساهم في ارتفاع عدد عضوات اللجان المجتمعية إلى 170 امرأة". وتوضح فائزة: "تم تنفيذ أنشطة متعددة تهدف لدعم النساء والفتيات، مثل تنظيم بازارات لبيع المنتجات التي تصنعها الفتيات، وأنشطة ثقافية وتوعوية لمواجهة الظواهر الدخيلة على مجتمعنا بسبب الحرب، مثل الإدمان وحمل السلاح".

وفي حين يتشابه عمل اللجان المجتمعية وفق لوائح العمل الموحدة، إلا أن هناك مساحة للإبداع والتميز بين لجان المديريات، ومرونة في العمل وفق احتياجات المجتمع. وحول تجربتها، تقول سكرتيرة مديرية دار سعد، نرجس علي عوض: "عملت على عدة برامج تخدم المجتمع المحلي في مديرية دار سعد، كان أهمها التركيز على تسهيل عمل برنامج تعليم الفتيات ومحو الأمية بين النساء في المديرية، عندما وجدنا أن الكثير من النساء في المديرية أميات".

وتضيف: "نسقنا مع الجهات المعنية لتفعيل عملية محو أمية النساء وتسهيل وصولهن للدراسة، وأحرص باستمرار على النزول إلى المدارس. لا نكتفي بهذه القضايا فقط، بل نسعى أيضاً لتحفيز النساء على العمل وتحقيق طموحهن من خلال تنظيم جلسات تحفيزية نسوية وجلسات دعم نفسي، ونهتم بتعزيز السلم الأهلي، كما أننا على تواصل مستمر مع كافة رئيسات الأحياء النسائية وعضوات اللجان في جميع أحياء المديرية".

 "دوائر المرأة لا تملك مقرات خاصة بسكرتارية المرأة والطفل لإقامة اللقاءات والندوات التوعوية، لكننا نحاول التغلب على تلك التحديات من خلال التنسيق مع الزميلات مديرات المدارس في المديريات للسماح لنا باستخدام أحد مكاتبهن فيها خلال فترة المساء لإنجاز مهامنا المتعلقة باللقاءات والاجتماعات والتواصل المباشر مع المواطنين".

تجاربهن في حل النزاعات

"أن تلعب المرأة دور الوسيط بين المواطن والمرافق الأمنية والخدمية أمر رائع"، تقول عضوة اللجان المجتمعية ونائبة مركز السلام الأهلي في بلوك صفر بمنطقة البساتين التابعة لمديرية دار سعد، فايزة حسين عثمان، موضحة: "يأتي إلينا المواطن وهو يعلم أننا نقف بصفه كمواطنين مثله، وهذا ما يمنحنا ثقة المواطنين. ومن خلال عملي في السلم الأهلي في الحي، واجهت عدة قضايا تمكنا من حلها بشكل ودي مع المواطنين الذين قصدوني، ومعظم هذه القضايا تتعلق بالمرأة والطفل وهي قضايا غير جسيمة".

وتوضح: "عندما يكون الضرر جسيمًا، نتوجه للشرطة لحلها بحزم، وفي تلك القضايا، نتلقى دعماً مستمراً من مدير شرطة البساتين، العقيد عبد الناصر الشنفرة ونائبه، حيث يتم التعامل مع قضايا العنف الأسري بشكل عاجل، ويُلزم الطرف المعتدي بعدم تكرار ذلك. وقد لاحظنا انخفاضاً في معدلات العنف نظراً لمعرفة المعتدين بأن هناك سلطة أقوى منهم تستطيع إيقافهم، وتولي أهمية خاصة لحماية النساء".

التأهيل المستمر

التجربة جديدة، ولأنها كذلك، فهي تحتاج إلى التنمية والتطوير المستمر. ومن أجل ذلك، تتلقى عضوات اللجان المجتمعية تدريبات بالتنسيق مع الإدارة العامة للتدريب والتأهيل في السلطة المحلية ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية، لتحسين مستوى أداء اللجان، بحسب مسؤولين. يقول عبدالرحمن الشعوي، نائب مدير عام اللجان المجتمعية بمحافظة عدن: "يتمثل دعمنا للمرأة في اللجان المجتمعية في تمكينها من العمل وتدريبها وتأهيلها، حيث نخصص لها 30% من حصص التدريب التي توفرها سلطة العاصمة عدن ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية. ذلك أن تأهيل عضوات اللجان المحلية يعني أداءً أفضل وأكثر فعالية في التوعية بالقانون والحقوق المدنية والسياسية، مما يصب في مصلحة الوطن".

"نطمح لوصول المرأة إلى مواقع صنع القرار في مختلف أجهزة الدولة، حيث ما زلنا نفتقد وجود النساء في المناصب العليا والقيادية، مثل رئاسة الوزراء، وعلى مستوى التمثيل السياسي الخارجي كسفيرات، إذ لم تتاح الفرصة للنساء بالشكل المطلوب حتى الآن".

تحديات

ولكل تجربة تحدياتها. وحول أبرز التحديات التي تعترض عضوات اللجان المجتمعية، تفيد مديرة سكرتارية المرأة والطفل في المعلا، مريم أحمد حسين، بأن التحديات التي تواجهها اللجان متنوعة، وأهمها التحديات المادية. وتوضح: "لدينا رؤية وحماس لتنفيذ مشاريع للنساء في التمكين السياسي والاقتصادي، والدعم النفسي والقانوني، ولكن إمكانياتنا المادية محدودة، ونعمل وفق ما هو متاح لنا، وننسق باستمرار مع منظمات المجتمع المدني للاستفادة من برامجها التي تتماشى مع رؤيتنا وأهدافنا".

وتضيف: "دوائر المرأة لا تملك مقرات خاصة بسكرتارية المرأة والطفل لإقامة اللقاءات والندوات التوعوية، لكننا نحاول التغلب على تلك التحديات من خلال التنسيق مع الزميلات مديرات المدارس في المديريات للسماح لنا باستخدام أحد مكاتبهن فيها خلال فترة المساء لإنجاز مهامنا المتعلقة باللقاءات والاجتماعات والتواصل المباشر مع المواطنين".

 

طموح بلاحدود

حول الطموح والآفاق المستقبلية، تتحدث سكرتيرة المرأة والطفل في حي العلفي الشرقي، سهام الحكيمي، قائلة: "نطمح أن نكون نموذجاً على أرض الواقع يعكس مدى كفاءة المرأة في التعامل مع مختلف الملفات في المجتمع المحلي. هذا المستوى من العمل يعد بالغ الصعوبة، لأن التعامل المباشر مع المواطنين يتطلب وعياً وصبراً وهمة، وتقديراً للمسؤولية. ونسعى إلى تحقيق شراكة حقيقية كوننا مكوناً أساسياً في جهود بناء وطن أفضل ومستقبل أجمل سياسياً واقتصادياً".

من جانبها، تقول نائبة سكرتيرة المرأة والطفل في اللجان المجتمعية لمديرية صيرة، أفراح سالم الحميقاني، لمنصة هودج: "نطمح لوصول المرأة إلى مواقع صنع القرار في مختلف أجهزة الدولة، حيث ما زلنا نفتقد وجود النساء في المناصب العليا والقيادية، مثل رئاسة الوزراء، وعلى مستوى التمثيل السياسي الخارجي كسفيرات، إذ لم تتاح الفرصة للنساء بالشكل المطلوب حتى الآن".