كتبت/ أمل السبلاني
تؤمن سهام بشر، البالغة من العمر 42 عامًا، من منطقة صبر الموادم في مدينة تعز، جنوب غرب اليمن، بأن السلام لا يُبنى إلا على أساس التضحية والتنازل والاعتراف بحقوق الآخرين. من هذا المنطلق، تسعى سهام جاهدة لتلبية احتياجات أفراد أسرتها، حيث تبذل قصارى جهدها لمراعاة مشاعرهم ووجهات نظرهم، وتتفاعل مع كل فرد منهم وفقًا لاحتياجاته الخاصة.
لم يقتصر نهج سهام الإيجابي على أسرتها فقط، بل امتد إلى مجتمعها الريفي، حيث عملت على تعزيز استقراره من خلال تنفيذ مجموعة من المشاريع والأنشطة التي تهدف إلى تقريب وجهات النظر بين أطراف النزاعات المحلية، وبناء أرضية مشتركة لهم.
تعزيز السلام والتنمية
تقول سهام: "كانت تجربتي الأولى في المراكز المجتمعية ضمن مشروع مجتمعات تصنع السلام التابع للمنظمة الوطنية لتنمية المجتمع في العام 2019، حيث عملت في فريق يضم 15 رجلًا و15 امرأة، من بينهم كان هناك 10 أشخاص في الهيئة الاستشارية، وكنت واحدةً منهم. استمر المشروع لمدة سنتين، استهدفنا خلاله ثلاثة نزاعات محلية ذات أولوية".
عملت سهام خلال هذا المشروع على معالجة قضايا مهمة في قرى الشعب والعدوف والجبة. من بين تلك القضايا كان استخدام الأراضي الخاصة كمعابر بين القرى نتيجة لتدهور الطرق الفرعية العامة. ساهمت في حل هذه المشكلة من خلال تنفيذ أنشطة إعادة تأهيل الطرق، مما ساعد في تسهيل حركة الناس وضمان تنقلهم بأمان وراحة.
كما واجهت سهام ظاهرة إطلاق الرصاص في المناسبات والأعراس، حيث نظمت جلسات توعية ولقاءات موسعة، وأقامت معرضًا تشكيليًا يبرز خطورة هذه الظاهرة على المجتمع.
وفي إطار العمل على القضايا المحلية، قامت سهام بحل نزاع طويل الأمد نشب حول توزيع المياه بين قريتي الشعب والعدوف. يقول الشيخ عمر أحمد عامر: "بدأ النزاع منذ عهد الأجداد، وكان ينشأ ثم يهدأ، لكنه تفاقم مجددًا عام 2011 واستمر حتى 2019، وزادت حدته مع نزاع القريتين مع قرية عميقة المجاورة التي كانت تحتكر المياه".
ويضيف: "عانت المنطقة من نقص المياه حتى تدخل فريق محلي لمعالجته، وكانت سهام جزءًا منه. عمل الفريق على توعية النساء، الأكثر تضررًا، ولقد أدت تجمعات الأهالي إلى تفاقم النقاشات حتى وصلت إلى إطلاق النار. لكن سهام ومن معها من النساء تمكنوا بشجاعة من تهدئة الأوضاع، ووصلوا في النهاية إلى اتفاق شرف وقع عليه الأهالي لحل النزاع وإصلاح مواصير المياه".
بعد انتهاء الدعم المادي من المنظمة الوطنية، شعرت سهام بمسؤولية حل النزاعات المحلية، فتعاونت مع ثلاث نساء لتأسيس مبادرة أسوار للسلام والتنمية بالاعتماد على الجهود الذاتية والتنسيق مع السلطة المحلية. نفذت المبادرة عدة مشاريع تنموية، منها إعادة تفعيل المدارس المتضررة من الحرب.
بعد ثلاث سنوات من العمل الجاد، انضمت سهام إلى تكتل وهج النسائي الذي يهدف إلى تعزيز السلام والمساهمة في بناء مجتمع متماسك. كما كانت من مؤسسي مجلس نساء صبر الذي يسعى إلى تمكين المرأة في الريف، توسيع أدوارها المجتمعية، وتأهيلها في مجال السلام.
السلام في ظل التحديات
واجهت سهام تحديات كبيرة في جهودها لإنهاء النزاعات المحلية، أبرزها الرفض المتكرر لفكرة أن تكون المرأة وسيطًا لحل النزاع، خاصةً من جانب أصحاب النفوذ الذين اعتبروا ذلك تهديدًا لمصالحهم. فضلاً عن النزاعات القبلية المستمرة، والبيئة الأمنية "غير المستقرة"، ونقص الدعم المادي والمعنوي. أضف إلى ذلك تحديات الظروف المعيشية الصعبة والمعقدة التي تعاني منها النساء في الريف.
تشير رئيسة اللجنة الوطنية للمرأة وعضو الهيئة الاستشارية للمرأة والأمن والسلام، الدكتورة شفيقة سعيد، في حديثها مع منصة هودج، إلى أن المرأة اليمنية في الريف تتحمل الكثير من المسؤوليات والأعباء في ظل غياب رب الأسرة بسبب العمل أو الحرب. كما تتحمل أعباء مضاعفة نتيجة شح الموارد مثل الغاز المنزلي، مما يضطرها لجمع الحطب، وهو ما يعرضها للخطر.
وهي اليوم لا تواجه فقط آثار الحرب التي امتدت إلى الأرياف، بل أيضًا خطر التغيرات المناخية، مثل شح مياه الأمطار والسيول الجارفة التي تؤثر سلبًا على المحاصيل الزراعية. كما تؤدي إلى تدهور المنازل، مما يتطلب بذل جهد كبير منها. وفوق كل هذا، تأثرت معظم المناطق الريفية بالحرب وأصبحت مزروعة بالألغام، مما ضاعف من معاناتها وهدد حياتها.
الحاجة للسلام والقدرة المحدودة
تغلبت سهام على النظرة السلبية لدور المرأة في حل النزاعات من خلال تنظيم التجمعات النسائية، التي أوضحت فيها أن تقليص هذا الدور له آثار سلبية، وأن المرأة قادرة على النجاح في جميع المجالات. كما حاورت أصحاب النفوذ، مؤكدة أن دورها لا ينافسهم بل يحتاج إلى دعمهم، مشددة على أهمية التعلم من خبراتهم. وللتعامل مع نقص خبرتها في التفاوض وبناء السلام، شاركت في عدة دورات تدريبية، واستعانت بأصحاب الخبرة.
تقول سهام: "كان المجتمع يتقبل دور المرأة في حل النزاعات المحلية بشكل تدريجي، حتى أصبحت الوجاهات تدعمنا. ومن هنا توصلت إلى قناعة تامة بأن المرأة قادرة على صناعة المستحيل، طالما أنها تمتلك إيمانًا قويًا بالقضية، وقادرة على تجاوز التحديات والمعوقات، وقد تستطيع خلق فرصة من التحديات لتحقيق الهدف".
ومع ذلك، لا يزال الدور الذي أدته سهام في حل النزاعات المحلية بعيد المنال للعديد من النساء في اليمن، خصوصًا في الأرياف. وهذا ما أكدته الدكتورة وهبية صبرة، نائبة رئيس مركز الدراسات والبحوث اليمني ورئيسة دائرة المرأة وعضوة التوافق النسوي للأمن والسلام، في حديثها مع منصة هودج. حيث قالت: "النساء هُن الأكثر حبًا للسلام ودعوة إليه، إلا أنهن يواجهن صعوبات عديدة لتحقيقه، حتى وإن كان على مستوى إنهاء النزاعات المحلية، وخاصة في الأرياف، لأن هذه العملية تتطلب ثقافة ووعيًا عاليًا، وهو ما يصعب تحقيقه نظرًا لنقص التعليم والفرص المتاحة للنساء في تلك المناطق. بالإضافة إلى أنها تواجه صعوبات في حضور الفعاليات المجتمعية والنقاشات العامة".
وأشارت دراسة صادرة عن مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية إلى أن النساء العاملات في مجال بناء السلام في اليمن والمتوسطات للنزاعات المجتمعية يواجهن عدة تحديات، منها الوصم الاجتماعي من كلا الجنسين، بالإضافة إلى تعرضهن للمضايقات وحملات التشهير.
لتحقيق تمكين النساء، يجب الاعتراف بأدوارهن في صناعة السلام، وتشجيع الرجال ليكونوا شركاء وداعمين لهن. كما يجب توطين مبادرات صنع السلام في اليمن وضمان نفاذ القوانين التي تحمي نشطاء السلام. والتعاون مع منظمات المجتمع المدني لإذكاء الوعي حول أهمية مبادرات السلام لمواجهة الشكوك المثارة حولها. بالإضافة إلى ذلك، يُعد إشراك القيادات الدينية والمجتمعية في مبادرات تمكين المرأة وتعزيز دورها في بناء السلام خطوة أساسية نحو تحقيق سلام مستدام في اليمن.