كتب/ حمدي رسام
"إقصاء المرأة عن جهود بناء السلام يُعدّ خطأً فادحًا، ويُعيق المسار نحو تحقيق سلام عادل ومستدام في اليمن. فالمرأة نصف المجتمع، ولديها خبرات ومعارف وإمكانيات لا غنى عنها في عملية بناء السلام."
هكذا علقت أستاذ علم الاجتماع المشارك بجامعة تعز، الدكتورة ذكرى العريقي على إقصاء النساء من المشاركة في جهود بناء السلام.
ألقت الحرب في اليمن، المستمرة منذ عام 2014، بظلالها القاتمة على مختلف جوانب الحياة. لكن وفي خضم هذه الأزمة، برزت نساء اليمن كأيقونات صمود، حيث لعبن دورًا محوريًا في تخفيف حدة المعاناة ودعم جهود السلام.
ففي مخيمات النزوح وفي المدن المدمرة، عملت نساء اليمن على توفير الغذاء والدواء والرعاية الصحية والنفسية للأطفال، والمساعدة في التمكين الاقتصادي للنساء، كما نظّمن حملات توعية وانشطة تهدف إلى حماية المدنيين، ووقف تجنيد الأطفال والمطالبة بالإفراج عن المعتقلين والمعتقلات المدنيين والمدنيات، وتعزيز ثقافة التعايش.
وعلى صعيد بناء السلام لعبت المرأة دوراً ظاهرا في تخفيف حدة النزاعات المجتمعية، وبرزت التكتلات والمبادرات النسوية المحلية الداعية للسلام والساعية لإطلاق الأسرى والمعتقلين والمساهمة في جهود الإغاثة والإنعاش.
عملت القيادات النسائية على إعداد خارطة الطريق النسوية للسلام في اليمن التي تهدف إلى تقديم رؤية مجتمعية معبرة عن عملية السلام العادل والشامل، وتشكل إطاراً إرشادياً للوسطاء و الوفود المتفاوضة للاستناد إليه وتجسيده في أية صيغة سلام يتم التوصل إليها في قادم الايام.
وتعكس الخارطة نموذجاً للعمل الاستراتيجي للقيادات النسائية في اليمن لجهة بناء الثقة وتصميم مساحة واسعة للشراكة ودعم عملية السلام.
الخارطة قدمت ايضاً آلية لتعزيز مشاركة المرأة في عملية صنع القرار بما فيها المشاركة في عملية بناء السلام بنسبة لا تقل عن 30%.
وعلى الرغم من الجهود الظاهرة للنساء اليمنيات إلا أن مشاركتهن في مراكز صنع القرار ما تزال ضعيفة، فعلى صعيد الحكومات اليمنية المتعاقبة منذ قيام الوحدة عام 1991 وحتى حكومة الكفاءات "المناصفة" التي تشكلت نهاية العام 2020 لم يتم تمثيل النساء في تلك الحكومات سواى بنسبة 4.1%.
"أغلب النساء المشاركات لم يكن ضمن الوفد الرسمي، بل اقتصر وجودهن كمستشارات".
واقع مشاركة المرأة في مفاوضات السلام
لا يختلف وضع إشراك النساء في مفاوضات السلام اليمنية عن واقع إشراكهن في مراكز صنع القرار، حيث تم تهميش المرأة من المشاركة الفعلية في مفاوضات السلام التي جرت طوال الفترات الماضية.
وأوضحت الحكومة اليمنية في رد لها على تساؤلات اللجنة المعنية بالقضاء على أشكال التمييز ضد المرأة مشيرةً إلى أنه تم تمثيل المرأة في الوفود المشاركة في مشاورات السلام بنسبة 8% في جنيف ديسمبر 2015 و 10% في مشاورات الكويت 2016، وبنسبة و14% في جنيف 2018، و 14% في مفاوضات ستوكهولم 2018.
ووصفتها وزيرة الإعلام السابقة، الدكتورة نادية السقاف، في حكومة الكفاءات تلك النسب التي أوردتها الحكومة أنها نسب مضللة، موضحة أن "أغلب النساء المشاركات لم يكن ضمن الوفد الرسمي، بل اقتصر وجودهن كمستشارات".
وبحسب الدكتورة السقاف فإن هناك فرق بين أن تكون المرأة مشاركة في الوفد الرسمي بمقعد كامل، وبين أن تكون مشاركة كاستشارية، لا تحضر كل اللقاءات بل تكون نوعا ما معزولة عن النقاش الحقيقي.
ومن جانبها قالت رشا جرهم، رئيسة مبادرة مسار السلام، في حديثها لمنصة هودج إن "في مشاورات الكويت كان الرقم هو اثنتين في وفد التشاور وواحدة في الوفد الفني المساند، وفي جنيف في 2015 كانت واحدة، وفي جنيف 2018 لم يكن هناك تمثيل للنساء في وفد الحكومة الرسمي".
وأضافت جرهوم: "وفي ستوكهولم كانت فقط امرأة واحدة. أما في وفد الأسرى والمعتقلين فلا توجد نساء بالمرة وفي لجان تعز التي تكونت لفتح الطرق لا توجد نساء، كما لا توجد نساء في التشكيل الحكومي ولا في اللجنة الامنية والعسكرية".
تحديات إشراك النساء
وحول التحديات التي تعيق مشاركة المرأة اليمنية في مفاوضات السلام، قالت الدكتورة ذكرى العريقي إن هناك الكثير من التحديات من بينها التحديات الذاتية مثل قلة ثقة المرأة بقدراتها، وضعف الوعي بحقوقها، وتأثرها النظرة المجتمعية الدونية للمرأة.
وأضافت: " هناك أيضاً التحديات المجتمعية المتمثلة بالموروث الثقافي الذي ُيقلّل من شأن المرأة، والتقاليد والعادات التي تعيق مشاركتها في الحياة العامة، وغياب الدعم من الأسرة والمجتمع. إلى جانب التحديات المؤسسية التي تتجلى من خلال نقص تمثيل المرأة في المؤسسات السياسية والاجتماعية ومراكز صنع القرار، وضعف القوانين والتشريعات التي تُعزّز مشاركة المرأة".
ونوهت الدكتورة العريقي إلى ضرورة اتخاذ خطوات ملموسة لمعالجة هذه التحديات من خلال تضافر الجهود ابتداء من الأسرة، والمؤسسات التعليمية والمجتمع، والإعلام والسلطة.
وأشارت الدكتورة العريقي إلى أن العمل الجاد على تغيير النظرة المجتمعية لدور المرأة وتعزيز تمكينها. ودعم برامج تعليمية وتوعوية تُحسّن من وعي المرأة بحقوقها وقدراتها. وإصدار قوانين وتشريعات تُعزّز مشاركة المرأة في الحياة العامة وصنع القرار. وتخصيص حصص للنساء في المؤسسات السياسية والاجتماعية. إلى جانب دعم مشاركة المرأة في المفاوضات واللجان المعنية بحل النزاع، من شأنه أن يعزز إشراك النساء.
الفرص المتاحة لإشراك النساء في مفاوضات السلام
هناك العديد من الفرص المتاحة والقابلة للتنفيذ، خاصة مع وجود تكتلات وقيادات نسائية فاعلة، ويمكن إيجاز أبرز تلك الفرص من خلال النقاط التالية التالي:
- تشكيل ائتلاف نسوي لتوحيد الجهود النسوية: من الفرص المتاحة والقابلة للتنفيذ تشكيل ائتلاف نسوي موحد يضم مختلف الشبكات والمبادرات، والمنظمات، والقيادات النسوية الفاعلة، ويعمل على تنسيق الجهود وتحديد استراتيجيات مشتركة، ويعزز التعاون والتواصل بين الشبكات والمنظمات النسوية على المستوى الوطني والمحلي.
- الاستفادة من الدعم الدولي والقرارات الدولية: هناك توجه دولي لدعم تنفيذ القرارات الدولية وخاصة القرار 1325 الذي يُلزم جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بضمان مشاركة النساء في جميع مراحل عملية السلام، وكذا اتفاقية سيداو التي تُعزز المساواة بين الجنسين وحقوق المرأة، بما في ذلك حق المشاركة في صنع القرار السياسي.
ويمكن لهذا الائتلاف النسوي الاستفادة من الدعم الدولي للضغط على أطراف الصراع لتنفيذ تلك القرارات المتعلقة بمشاركة النساء في عملية السلام، والمطالبة بتنفيذ تلك القرارات وتعهدات الأطراف خاصة الحكومة اليمنية المصادقة على القرار 1325 وعلى اتفاقية سيداو.
- الاستفادة من وجود قيادات نسوية في هيئة التشاور والمصالحة من ذوات الخبرات السياسية والاجتماعية والتشبيك معهن للضغط على مجلس القيادة الرئاسي لإشراك النساء في مفاوضات السلام.
نماذج ملهمة لمشاركة المرأة في مفاوضات السلام
توفر الإرادة لدى صناع القرار هو الحل لإشراك النساء كحق من حقوقهن بحسب رشا جرهم. وذكرت أن هناك تجارب في اليمن تواكب النماذج العالمية فمثلا تجربة اليمن في إشراك النساء في الحوار الوطني وضع كنموذج لحالة ناجحة من اليمن في الدراسة العالمية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة العام 2015 وحددت دراسة الحالة أربعة عناصر رئيسية لنجاح إشراك النساء في تلك المرحلة تتمثل في الدعم الدولي والإرادة السياسية، وحشد الحركة النسوية، وتصميم عملية الحوار من قبل الأمم المتحدة التي اعتمدت حصة للنساء بما لا يقل عن 30%".
ومن الأمثلة الناجحة على مشاركة المرأة في مفاوضات السلام، أيضا ما حدث على طاولة المفاوضات بشأن أيرلندا الشمالية العام 1996، حيث أسفر إطلاق المحادثات متعددة الأطراف عن إمكانية توسيع مشاركة النساء من خلال تشكيل حزب سياسي يكون جزءاً من منتدى الحوار، ويكتسب مقاعد على طاولة المفاوضات.
حينها تضافرت جهود المجموعات النسائية الكاثوليكية والبروتستانتية لجمع 10,000 توقيع، وأسسن حزب ائتلاف المرأة في أيرلندا الشمالية على صعيد المجتمع المحلي، من أجل تحقيق الحضور إلى جانب الأحزاب الرئيسية والممثلين السياسيين.