كتبت/ أمة الله عبد الله

في الوقت الذي تستثمر فيه الدول المتقدمة في تنمية مجتمعاتها بشكل شامل ومستدام، تظل بعض الدول تكافح لتجاوز العقبات التي تعيق تواجد المرأة في مواقع اتخاذ القرار. تعكس تجارب عدد من النساء اليمنيات معوقات القيادة النسوية في ظلال تقاليد والأنظمة الذكورية التي تقلل من دورهن الفعلي في المساهمة في التنمية.

تجربة قيادية بلا صلاحيات

بشارة الصنوي، حاصلة على ماجستير في إدارة الأعمال وتعمل كاستشارية مجتمعية، كانت تدير إدارة تنمية المرأة في مديرية المعافر بمحافظة تعز. توضح بشارة أن دورها كان شكلياً بامتياز، حيث لم تمتلك الصلاحيات اللازمة لاتخاذ القرارات أو الحصول على مخصصات مالية.

تقول بشارة لمنصة هودج:"قررت الاستفادة من مهاراتي في مكان آخر حتى يتم إصلاح وضع الإدارة".

حالياً، تعمل بشارة كاستشارية تدريب في الصندوق الاجتماعي للتنمية ومحاضرة في المعهد الفني بمنطقة الخيامي، حيث تستطيع ممارسة عملها بفعالية أكبر. على الرغم من ذلك، ما تزال معركتها مستمرة منذ عام 2011 للمطالبة بصلاحياتها.

قيادة من دون تأثير حقيقي

سلمى، الناشطة المجتمعية بمهارات متميزة في فن الحوار والتواصل وحل المشكلات، تعيش في منطقة تفتقر إلى الخدمات الأساسية. وعلى الرغم من تأهيلها لتولي إدارة أحد المراكز المدنية، لم تحقق تجربتها في هذا المنصب التوقعات المرجوة.

تقول سلمى لمنصة هودج: "أقوم بعملي بشكل طبيعي، لكن عندما يتعلق الأمر باتخاذ القرارات، يتدخل الرجال".

وتضيف: "صحيح أنني أُستشار في بعض الأمور، لكنهم هم من يتخذون القرارات النهائية".

تدرك سلمى أن وجودها في المنصب يوفر لها فرصة للعمل وجلب التمويل اللازم لتلبية احتياجات أسرتها، لذا لم تجرؤ على المطالبة بصلاحيات أوسع خوفاً من فقدان موقعها

خطر المنافسة

س.ص، المعروفة بلقب أم أحمد في مجتمعها المحافظ، هي امرأة في الثلاثينيات من عمرها حاصلة على بكالوريوس في التمريض. عملت لأكثر من تسع سنوات قبل زواجها، قضت جزءاً منها في مجال التمريض ومعظمها كفني عمليات في مستشفى غير حكومي بمحافظة حضرموت.

بعد زواجها، استمرت أم أحمد في العمل لمدة ثلاث سنوات، أنجبت خلالها طفلها الأول دون أن يؤثر ذلك على جودة أدائها الوظيفي. ولكن، بدأت المشاكل عندما حملت للمرة الثانية، حيث فرضت إدارة الموارد البشرية قيوداً مشددة عليها. تشرح أم أحمد لمنصة هودج: "بدأت إدارة الموارد البشرية بتحذيري من أن المستشفى لا يمنح إجازة وضع للموظفات، ثم أخبروني أن المستشفى لم يعد يوظف النساء المتزوجات".

لاحقاً، تم حرمانها من الإجازات المرضية لأكثر من يوم واحد رغم الحاجة الطبية الموصى بها. أدت هذه الضغوط إلى تقديم استقالتها، حيث تقول: "لم أستطع تحمل هذه الضغوط، فتقدمت باستقالتي، رغم أنني لم أقصر في عملي. خسرت وظيفة وراتباً كان له دور كبير في تحسين مستوى معيشتنا".

أم أحمد تتحمل مسؤولية إنفاقها على والدها المقعد، ووالدتها المسنّة، وأختها الأرملة، وأخاها الوحيد الذي يعمل موظفاً حكومياً براتب محدود. وتوضح أن تأثير الوضع طال أسرتها بأكملها، مما يبرز التحديات التي تواجهها في مجال العمل.

واجهات ضوئية

على صعيد آخر، تعمل سمية كمندوبة لإحدى العزل في مديرية ريفية بمحافظة تعز. سمية، الناشطة المدنية، تتمتع بسجل حافل بالكفاءة بدءاً من تفوقها الدراسي الذي أهلها للحصول على منحة دراسية في الخارج، إلا أن التقاليد حال دون تحقيق هذا الطموح.

تخرجت سمية بتفوق من جامعة يمنية واحتلت مكانة مرموقة في وظيفتها الحكومية، حيث تحظى بتقدير واحترام في بيئتيها العملية والاجتماعية، مما يعزز تأهيلها لمواقع قيادية وفقاً لرأي أهالي العزلة.

تقول سمية: "أثناء انتخابات مجالس القرى، تلقيت اتصالاً من أحد الفاعلين في العزلة، الذي أكد لي ضرورة حضوري دورة الترشيح والانتخاب، فظننت أنه يطلب دعمي لترشيحه. لكنني فوجئت بترشيحي كمندوبة للعزلة، وتمكنت من الفوز في الانتخابات".

وتضيف: "كان الأمر رائعاً وشعرني بالتقدير كناشطة في المجتمع، لكن ما اكتشفته لاحقاً كان محبطاً. تبين أن منصبي القيادي لا يتيح لي اتخاذ القرارات التي تعتبر من صميم عملي. فقد عملت المجموعة الذكورية في المجلس على تهميشي واتخذت القرارات نيابة عني، بحجة أن نظرة المرأة غير صائبة خارج المنزل وأن المعارك الحياتية هي من شأن الرجال. وقد قيل لي إن ترشيحي كان اضطرارياً لتلبية اشتراطات تشكيل المجلس التي تضمنت ضرورة المناصفة بين الرجال والنساء."

على الصعيد الرسمي، تعمل (س.ص) "أم محمد" مديرة لأحد المكاتب الهامة في إحدى مديريات محافظة تعز. تحمل مؤهلاً جامعياً في الإدارة والحوسبة، وقد أثبتت كفاءتها مما ساعدها على التدرج في السلم الوظيفي حتى وصولها إلى موقع الإدارة.

تقول أم محمد لمنصة هودج: "رغم أنني أشغل هذا المنصب منذ سنوات، إلا أن وجودي فيه ما زال شكلياً، حيث لم أطلع على الإحصائيات والتقارير، ولم أتمكن يوماً من اتخاذ القرارات". وتضيف بمرارة: "الحقيقة أنني لا أعلم حتى الآن نوع المشاريع التي يفترض أن تمر من خلال هذه الإدارة، ويبدو أن الهيمنة الذكورية لها تأثير أكبر مما أستطيع مواجهته".

نقص الاهتمام

تشير المحامية أمل الصبري إلى أن وجود المرأة في مواقع القرار ليس فقط حقاً أصيلاً لها، بل أيضاً له تأثير إيجابي كبير على التنمية. ومع ذلك، تؤكد الصبري أن العنصرية الذكورية لدى بعض متخذي القرار، الذين لا يعترفون بأهمية مشاركة المرأة، لا تزال فعالة في إحباط دورها وحقها.

تستشهد الصبري بضرورة وجود النساء بشكل فعال في مفاوضات السلام، خصوصاً وأنهن الأكثر تضرراً خلال الحروب. إلا أن مواقعهن ما زالت شاغرة، رغم أن هذا الحق مدعوم بمخرجات الحوار الوطني الشامل والقرارات الأممية والدولية الخاصة بالأمن والسلام، والاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها اليمن.

غياب الثقة

يعتبر المحامي والاستشاري القانوني خالد الشميري أن عدم الثقة بقدرات المرأة من قبل السلطة هو السبب الرئيسي وراء بقاء دور المرأة في مواقع صنع القرار شكلياً ودون صلاحيات فعلية.

ويقترح الشميري بعض البدائل التي من شأنها تعزيز قدرة المرأة على القيادة ورفع فعاليتها في مراكز اتخاذ القرار، مثل "تأهيل وتدريب النساء في المجالات الإدارية والاجتماعية، وتمويلهن لتنفيذ مشاريع مجتمعية تسهم في اكتساب الخبرات وبناء العلاقات وتطوير المهارات، بالإضافة إلى مناصرتهن لاستصدار قرارات وسياسات تدعم تفعيل أدوارهن القيادية".

النظرة الدولية

في هذا السياق، تشير هيئة الأمم المتحدة للمرأة إلى أن من أبرز التحديات التي تعوق تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة في اليمن هو انخفاض مستوى مشاركة المرأة وقيادتها في المجال العام. ويؤدي ذلك إلى عرقلة حصول الفتيات والنساء على الخدمات الأساسية. كما تبرز الهيئة أن التمييز ضد المرأة في نظم العدالة الرسمية وغير الرسمية يتعارض مع التزامات اليمن بالاتفاقيات الدولية، مثل اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو).

تشكل النساء 4.1% فقط من المناصب الإدارية ومواقع صنع القرار في اليمن، وفقاً لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي. ويؤكد البرنامج أن تغيير المسار الإنساني والتنموي في هذا البلد يتطلب إشراك النساء في تحديد أولويات المجتمع واحتياجاته