كتب/ زكريا حسان

لم تترك الحرب التي اندلعت منذ أواخر 2014 لليمنيين خيارًا للنجاة من الفقر والتشرد إلا بجهود فردية استثنائية.

في بلد يعاني فيه قرابة 80% من السكان من الفقر المدقع، وفق بيانات المنظمات الدولية، أصبحت المبادرات الذاتية، لا سيما من النساء، محور البقاء للأسر في مواجهة تداعيات الحرب المدمرة.

"نعمة"، خمسينية من صنعاء، وجدت نفسها في قلب معركة يومية لتوفير الحد الأدنى من متطلبات الحياة لأفراد أسرتها المكونة من ستة أبناء وزوج عاطل عن العمل بعد انقطاع راتبه العسكري.

مع تهديد صاحب المنزل بطردهم لعدم دفع الإيجار، بدأت نعمة تبيع مدخراتها القليلة لتفتتح دكانًا صغيرًا في حيها، ليعمل فيه زوجها. المشروع البسيط مكّن الأسرة من تأمين احتياجاتها الأساسية واستمرار تعليم الأبناء رغم محدودية الدخل، كما أوضحت لمنصة هودج.

نعمة ليست إلا نموذجًا لآلاف النساء اليمنيات اللواتي أنقذن أسرهن من حافة الجوع والفقر. بمدخرات بسيطة ومشاريع صغيرة، استعدن الاستقرار النسبي لعائلاتهن، ليصبحن ركيزة أساسية للصمود في وجه تداعيات الحرب.

في وجه العاصفة

فقدان مصادر الدخل وفرص العمل لم يهدد فقط استقرار الأسر المادي، بل انعكس بشكل مباشر على نسيجها الاجتماعي.

تقارير منظمة الصحة العالمية تشير إلى إصابة ربع سكان اليمن باضطرابات نفسية، بينما قفزت نسب الطلاق إلى مستويات غير مسبوقة. ومع ذلك، أثبتت النساء أنهن قادرات على مواجهة التحديات، ليس فقط لضمان البقاء، بل للحفاظ على تماسك الأسرة واستمراريتها في أصعب الظروف.

وسط الانحدار المعيشي الحاد الذي يواجه الأسر اليمنية، برزت النساء كعامل رئيسي في التصدي لتبعات الحرب. مع مقتل ما يقرب من 50 ألف رجل معيل خلال السنوات الخمس الأولى من النزاع، وفقًا لمنظمة رايتس رادار، تولت النساء زمام المبادرة في تحمل أعباء العائلة.

وأبرز تقرير لمركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية كيف دفعت الحرب النساء إلى سوق العمل بزيادة ملحوظة، مع ارتفاع عدد الأسر التي تقودها النساء بسبب فقدان الرجال مصادر رزقهم.

الحاجة المادية دفعت عديد النساء إلى تأسيس مشاريع منزلية صغيرة، كإعداد الطعام للبيع أو التجارة عبر الإنترنت في الملابس والإكسسوارات.

تجارب ملهمة في زمن الحرب

من بين النماذج الملهمة، تأتي قصة وئام نعمان، التي استطاعت النهوض من بين ركام الحرب وتحقيق نجاح ملحوظ عبر وكالتها الخاصة "ليدي ياقوت".

وئام، الموظفة السابقة في هيئة استكشاف وإنتاج النفط، عانت انقطاع راتبها وراتب زوجها بسبب النزاع، لكنها رفضت الاستسلام. باستثمار مدخراتها البنكية وذهبها، بدأت مشروعًا لصناعة البخور والعطور.

تقول لمنصة هودج: "أسعى دائمًا لتطوير مشروعي والتسويق له. وقّعت عقودًا مع منصات إلكترونية ومحلات تجارية، وأبيع بالتجزئة والجملة داخل اليمن وخارجه. هذا المشروع مكنني من تحقيق الاكتفاء الذاتي، مواجهة تقلب الأسعار، وتمويل تعليم أبنائي في الجامعات. أصبح كل أفراد العائلة شركاء في المشروع، ما عزز من استقرارنا الأسري."

بفضل مشاركتها في البازارات والمعارض، بالإضافة إلى تدريبها لنساء أخريات، استطاعت وئام توسيع سوقها وتعزيز استقلاليتها الاقتصادية، لتكون نموذجًا حقيقيًا للمرأة اليمنية التي واجهت الحرب بالإبداع والمثابرة.

الحارس الأمين للأسرة

الناشطة النسوية ثريا مجاهد تؤكد أن المرأة اليمنية لعبت دورًا محوريًا في تثبيت دعائم الأسرة وحمايتها من التفكك خلال سنوات الحرب. بفضل مدخراتها وجهودها الفردية، أثبتت قدرتها على مواجهة الأزمات داخل المنزل وخارجه، لا سيما في سوق العمل بعد فقدان العديد من الرجال لدورهم كمعيلين.

تشير مجاهد إلى أن النساء لم يكتفين بتجاوز الأوضاع الصعبة، بل نجحن في تحويل مدخراتهن إلى مشاريع صغيرة ناجحة قادرة على منافسة المنتجات المستوردة. كما امتد دورهن إلى دعم نساء أخريات من خلال التدريب والتأهيل، ما عزز حضورهن في المجتمع وأسهم في بناء شبكات نسائية مساندة وفعالة.

رئيسة اتحاد نساء اليمن في عدن، فاطمة المريسي، تصف المرأة بأنها "الحارس الأمين للأسرة"، معتبرة أنها تحملت أعباءً هائلة لضمان بقاء كيان العائلة متماسكًا.

تقول إن المرأة قدمت مدخراتها وإمكاناتها الذاتية بسخاء لتوفير مصدر دخل ثابت عبر مشاريع صغيرة ومستدامة، مكنت الأسر من تغطية النفقات اليومية ومواصلة تعليم الأبناء، وأعادت السلام إلى الحياة الأسرية.

وترى المريسي أن هذا الدور ينبع من اعتزاز المرأة اليمنية وشموخها، حيث استطاعت بإصرار أن تثبت دعائم الأسرة وتمنعها من الانهيار أو انجرار أفرادها نحو الظواهر السلبية والانحراف.

هذا التفاني، كما تؤكد، يعكس روح الصمود والإبداع التي تجسّدها النساء في مواجهة واحدة من أصعب الأزمات الإنسانية في العالم.