كتب/ عبداللطيف سالمين
في زاوية صغيرة من منزلها في أبين، تجلس "بثينة ناصر"، شابة في شهرها التاسع توشك أن تضع حملها والقلق يملأ عينيها. تقول لمنصة هودج: "الشعور بالقلق وعدم الأمان يؤثر على حالتي النفسية وعلى صحة الطفل."
تعكس كلمات ناصر واقع العديد من النساء في أبين، اللواتي يُجبرن على مغادرة منازلهن بحثًا عن الرعاية الصحية.
إحدى النساء في قرية نائية وسط أبين، تحكي قصة قريبتها التي لم تتجاوز السابعة عشرة من عمرها لـمنصة هودج: "بينما كانت تستعد قريبتي لاستقبال جنينها، تعرضت لنوبة إعياء حادة. ومع ارتفاع ضغط دمها، لم يكن أمام أسرتها خيار سوى نقلها إلى أقرب مركز صحي، لكنها فارقت الحياة قبل أن تصل، تاركة جنينًا لم يُكتب له أن يولد. وبعد الفحوصات، اكتشف الأطباء أنها كانت تعاني من مشكلة خطيرة في القلب."
تتكرر مثل هذه المآسي في المحافظة الجنوبية حيث "فاطمة سعيد"، ابنة العشرين عامًا، التي كانت هي الأخرى على وشك الولادة عندما اكتشفت القابلة أن طفلها في وضعية خاطئة. ورغم تجاوزها مرحلة الطلق، لم يكن أمامها خيار سوى الانتقال إلى مدينة جعار لإجراء عملية قيصرية في أحد المستشفيات الخاصة. تصف فاطمة تجربتها، "كانت مليئة بالمخاوف وعدم اليقين. نأمل أن تتغير الظروف لمساعدة النساء في أوضاع مشابهة."
يجب أن تكون هناك مساهمة من المجتمع المحلي في تحسين الظروف الصحية والنفسية للنساء الحوامل
آثار نفسية واجتماعية
لا تقتصر معاناة النساء في المحافظة الساحلية على نقص خدمات الولادة في المستشفيات الحكومية فقط، حيث تصل إلى غياب الإمكانيات لإجراء عمليات الولادة القيصرية، مما يضطرهن للانتقال إلى مدينة عدن المتاخمة، حيث يقع مستشفى الصداقة الذي يستقبل غالبية حالات الولادة من أبين وبعض المحافظات الأخرى.
في شمالي غرب مديرية الشيخ عثمان، تتجمع النساء في مستشفى الصداقة، وتحمل كل واحدة منهن حكاية من الألم والخوف. تعكس غرفة الانتظار، المليئة بالنساء الحوامل، واقعًا مأساويًا يجبر هؤلاء الأمهات على السفر لمسافات طويلة في لحظات حرجة، مما يزيد من مخاطر صحتهن وصحة أطفالهن.
أظهرت المقابلات أن النساء لا يتعاملن فقط مع مخاطر الولادة، بل يواجهن أيضًا ضغطًا نفسيًا واجتماعيًا كبيرًا.
ألقت هذه التحديات بظلالها على الحالة النفسية والاجتماعية والمالية للنساء، حيث يشعرن بالقلق والضغط النفسي بسبب الخوف من عدم توفر الرعاية الصحية المناسبة.
تؤكد "ناصر" أنها عانت من توتر شديد خلال حملها، خاصة عند التفكير في الرحلة إلى عدن عند لحظة الولادة. تضيف، "في كل مرة أذهب فيها إلى العيادة، أشعر بالخوف من عدم توفر الرعاية اللازمة. الأمر صعب للغاية، والشعور بالقلق وعدم الأمان يؤثر على حالتي النفسية وصحة الطفل."
"نحتاج إلى رعاية صحية قريبة من منازلنا. لا يمكننا الاستمرار في هذه المعاناة."
ضغوط نفسية
تتجلى معاناة النساء في نقص الدعم الاجتماعي بجانب الضغوط النفسية، حيث يبقى الأزواج والأقارب بعيدين خلال لحظات حاسمة، مما يزيد من الضغط على النساء أثناء الحمل والولادة. كما توضح الأخصائية النفسية صبا ناصر السقاف في حديثها لمنصة هودج.
تقول إن "نقص خدمات الولادة في المستشفيات الحكومية في أبين يؤثر بشكل كبير على مشاعر الأمان والثقة لدى النساء الحوامل." تضيف، أن هذا الغياب يزيد من مخاوفهن بشأن صحة أطفالهن، مما قد يؤدي إلى الاكتئاب والقلق.
وتشير السقاف إلى أن النساء يواجهن مشاعر القلق والخوف من المجهول، مما يخلق شعورًا بعدم الأمان، وهذا يمكن أن يؤدي إلى مضاعفات نفسية تؤثر سلبًا على الأمهات وأطفالهن.
كما تؤكد على العلاقة بين الرعاية الصحية الجيدة والصحة النفسية للنساء، موضحة أن الصحة النفسية لا تعني فقط غياب الأمراض النفسية، بل تشمل أيضًا الشعور بالرفاهية والسعادة. لذا، فإن الحصول على رعاية صحية جيدة يُعد أمرًا حيويًا لتحقيق هذه الرفاهية.
تضيف، "تعد الرعاية الصحية جزءًا أساسيًا من الصحة النفسية للأمهات، حيث تعزز الوعي بحالتهن وحالة أطفالهن، مما يساعد في تجنب المشاعر السلبية." وتلفت إلى أن غياب الرعاية الصحية الجيدة قد يؤدي إلى اكتئاب ما بعد الولادة، مما يعمق شعور العزلة والوحدة.
وتشير السقاف إلى أن غياب الرعاية الصحية الجيدة مرتبط بارتفاع معدلات الاكتئاب والقلق، مما يجعل التكيف مع دور الأمومة أكثر صعوبة.
شددت صبا السقاف على ضرورة تحسين الوضع الحالي ودعم صحة المرأة النفسية في أبين، من خلال تنظيم حملات توعوية بأهمية الصحة النفسية
أعباء مالية
تشكل المسافات عقبات إضافية أمام الرعاية الصحية في اليمن، حيث تواجه الأمهات الحوامل، اللاتي يعانين من مضاعفات أثناء الولادة، صعوبة كبيرة في الحصول على الرعاية اللازمة، مما قد يؤدي إلى عواقب مأساوية. والوضع الاقتصادي المتدهور منذ عام 2015 جعل معظم الأسر تعتمد على خدمات الرعاية الصحية العامة المحدودة، مما يزيد من تعقيد الأمور.
في أبين، يتطلب الانتقال إلى مدينة عدن للحصول على خدمات الولادة تكاليف إضافية، تشمل النقل، والخدمات الطبية، ونفقات المرافقين، والسكن في الفنادق، مما يثقل كاهل الأسر الفقيرة. وتواجه النساء مخاطر صحية خلال رحلات قد تستغرق أكثر من ثلاث ساعات، مما يؤثر سلبًا على صحتهن النفسية.
تعبر "بثينة ناصر"، الحامل، عن مخاوفها، "كنت أعتقد أنني سألد في مدينتي زنجبار، لكنني وجدت نفسي هنا، في غرفة لا تتسع لمشاعري." ومع اقتراب موعد ولادتها، يزداد توترها بسبب الرحلة الشاقة إلى عدن، التي تبعد أكثر من ساعتين، بحثًا عن الرعاية الصحية التي تفتقر إليها منطقتها.
تضيف "ناصر"، "عندما علمت بحملي، كانت فرحتي كبيرة، لكن مع غياب مستشفى الولادة، تحول ذلك إلى كابوس. نحن مضطرون لدفع تكاليف إضافية للسفر، مما يؤثر سلبًا على وضعنا المالي."
تشير الأخصائية النفسية صبا السقاف إلى أن الضغوط النفسية تتضاعف بسبب نقص الدعم الاجتماعي، حيث يبقى الأزواج والأقارب بعيدين خلال اللحظات الحاسمة. وتؤكد "بثينة" أنها تشعر بالقلق في كل زيارة للعيادة، "في كل مرة أذهب فيها، أشعر بالخوف من عدم توفر الرعاية اللازمة. الأمر صعب للغاية."
أزمة صحية مقلقة
تعتبر إحصائيات منظمة اليونيسيف أن الأمهات والرضع في اليمن من الفئات الأكثر ضعفًا، حيث تموت أم واحدة وستة مواليد كل ساعتين نتيجة مضاعفات الحمل أو الولادة. هذه الأرقام تؤكد حجم الأزمة الصحية التي يعاني منها البلد.
وفي السياق، تستعرض "ص.ص" إحدى نساء أبين ذكرياتها المؤلمة خلال ولادتها في مستشفى الرازي، حيث عانت من ظروف صحية غير ملائمة. تقول لـ"هودج": "اضطُررت للحضور قبل 24 ساعة من موعد العملية، وعانيت من ظروف صحية غير ملائمة، والخدمات هناك كانت رديئة ودون المستوى المطلوب."
تضيف، "قصتي تجسد الواقع الصعب الذي تعيشه الكثير من الأمهات في أبين. نحن بحاجة ماسة لتحسين الرعاية الصحية وتوفير الأطباء، قبل أن نفقد أحبتنا في لحظات كان يجب أن تكون مفرحة."
هذا الوضع يبرز الحاجة الملحة لإنشاء مستشفى حكومي للولادة في أبين. تشدد "ناصر"، "نحتاج إلى رعاية صحية قريبة من منازلنا. لا يمكننا الاستمرار في هذه المعاناة."
بدورها، أكدت الدكتورة "نجلاء أحمد"، من مستشفى الصداقة، صعوبة الأوضاع والحاجة الملحة لتخفيف العبء عن نساء أبين والحاجة الملحة لإنشاء مستشفى حكومي متخصص في ولادة النساء.
تضيف، "نستقبل يوميًا نساء من أبين، والضغط علينا في المستشفى كبير، لأننا نقبل أيضًا الحالات من عدن ولحج وبعض المحافظات الأخرى. نعمل بكل جهدنا، لكن لا يمكننا تلبية جميع الاحتياجات في ظل الظروف الحالية."
وشددت صبا السقاف على ضرورة تحسين الوضع الحالي ودعم صحة المرأة النفسية في أبين، من خلال تنظيم حملات توعوية بأهمية الصحة النفسية، وتوفير خدمات صحية سهلة الوصول.
أضافت، "يجب أن تكون هناك مساهمة من المجتمع المحلي في تحسين الظروف الصحية والنفسية للنساء الحوامل، فيمكن أن يتضمن ذلك تقديم برامج من قبل المنظمات المحلية والدولية، مثل توفير سلال غذائية للأمهات الحوامل وتنظيم دورات تدريبية حول الرضاعة الطبيعية. كما يمكن أن تسلط الحملات الإعلانية الضوء على أهمية صحة الأم والطفل، مما يعزز الوعي والدعم المجتمعي."
تسعى صبا السقاف وبثينة ناصر وعديد النساء منذ سنوات إلى مطالبة الجهات المسؤولة باتخاذ خطوات عاجلة لإنشاء مستشفى حكومي للولادة. هذا المشروع لا يُعد ضرورة لتحسين الصحة الجسدية فقط، بل يمثل خطوة أساسية لتحسين الصحة النفسية للنساء في أبين اللواتي يطمحن إلى حياة أفضل ومستقبل أكثر أمانًا لأطفالهن.