كتبت/ أفراح بورجي

في إحدى جولاتي وسط العاصمة صنعاء، التقيت عبير، البالغة من العمر 10 أعوام، التي تبيع المناديل الورقية. طرحت عليها سؤالاً فضوليًا: لماذا لم تلتحقي بصفوف الدراسة؟ أجابت على الفور "أشقى على البيت" (أعمل من أجل الأسرة).

تقطن عائلة عبير في مدينة صنعاء، وفي ظل هذه الأوضاع الاقتصادية الصعبة تعمل عبير إلى جانب أخويها الأصغر سنًا، كما تقول، في بيع المناديل في الجولات، لتصبح هي وإخوتها أطفالاً خارج المدرسة لأسباب لا ذنب لهم فيها.

طفولة ضائعة

تتحدث عبير والعبرة تخنقها عن مشاعرها عندما ترى الأطفال يذهبون إلى المدرسة حاملين الحقائب المدرسية لتحقيق أحلامهم في المستقبل. تقول: "أريد أن أتعلم، ولكن ظروف والدي لم تسمح لي بالذهاب إلى المدرسة".

ليست عبير وحدها من تسربت من التعليم بحثًا عن لقمة العيش، بل هناك العديد من الفتيات اللواتي لم يستطعن إكمال تعليمهن، إما بسبب الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة نتيجة الحرب، أو لأسباب تتعلق ببعض التقاليد التي تجعل الأسر تكتفي بتعليم الفتاة حتى الصف السادس، أو بسبب تزويجهن في سن مبكرة للتخفيف من الأعباء الاقتصادية.

إحصائيات

بحسب الإحصائيات، ارتفع معدل تسرب الفتيات من التعليم الأساسي خلال الفترة من 2014 إلى 2021 من 6.2% إلى 6.4%، مما تسبب في أن يصبح نحو مليون وربع مليون فتاة في سن التعليم خارج أسوار المدارس.

وتفوق نسبة الإناث المتسربات من التعليم النسبة المقابلة للمتسربين من الذكور، وذلك إما لأسباب اجتماعية تتعلق بالتقاليد المعرقلة لتعليم الفتاة كما هو الحال في بعض المناطق القبلية، أو بسبب الحالة الاقتصادية المتدنية التي تدفع الأسر لتعليم الذكور على حساب الإناث.

الاقتصاد والتعليم

الحصول على تعليم جيد يتطلب بالضرورة اقتصادًا جيدًا. ترى المدير العام لدعم تعليم الفتاة بوزارة التربية والتعليم (سابقًا)، حنان الشامي، أن هناك علاقة وثيقة بين المستوى الاقتصادي للأسرة وبين إتمام التعليم، وتقول: "إذا كانت الأسرة تحظى بوضع اقتصادي ومعيشي جيد، فإنها ستحرص على تعليم أبنائها من الجنسين بالشكل الأفضل، والعكس بالعكس. فعندما يتدنى المستوى الاقتصادي للأسرة، ينعكس ذلك على تعليم الأبناء، وخاصة الفتيات".

وتضيف: "كثيرًا ما تتسبب صعوبة الحالة المعيشية للأسرة في تسرب الفتيات من التعليم، خاصة في المرحلة الأساسية، والاكتفاء بتعليم الأولاد لتخفيف النفقات". وتوضح أن الفقر يمكن أن يؤدي أيضًا إلى تحويل مسار الفتيات من التعليم إلى العمل، إما في مساعدة الأم العاملة والاعتناء بالمنزل في حال غيابها، خاصة الأمهات العاملات في مهن ذات دخل يومي بسيط مثل بيع الخبز، أو من خلال الدفع بهن مباشرة إلى سوق العمل، كما هو حال الأولاد المتسربين من التعليم لأغراض العمل، كالبيع في الجولات.

أسباب إضافية

يؤدي نقص المدارس المخصصة للفتيات، خاصة في المناطق الريفية، وبعد المسافة بين البيت والمدرسة بالنسبة لأطفال الأسر الفقيرة، خاصة الإناث، إلى جانب غياب المرافق الخدمية مثل الحمامات في مدارس البنات، إضافة إلى التقاليد المتجذرة في الوعي الاجتماعي التي تتمثل في مقولة "البنت لبيتها وزوجها"، وشحة التمويل لمساعدة فتيات الأسر الفقيرة على إكمال التعليم، جميعها عوامل تساهم بقدر أو بآخر في تسرب الفتيات من التعليم، بحسب الشامي.

حلول

في الوقت الذي تغيب فيه الحلول على المستوى العام، تنشأ بعض التجارب هنا وهناك بهدف إيجاد بدائل مستدامة أو مؤقتة، ويمكن لهذه التجارب أن يعاد إنتاجها في أماكن أخرى.

في محافظة تعز، حققت مدرسة "نعمة رسام" قفزة ملحوظة في الحد من ظاهرة تسرب الفتيات من التعليم من خلال عدد من الخطوات المترابطة التي تجمع بين التوعية المجتمعية ومعالجة المشكلات.

وتفيد مديرة المدرسة، رجاء الدبعي، أن نسبة التسرب بين الطالبات انخفضت بشكل ملحوظ في مدرستها خلال الفترة الأخيرة رغم صعوبة الأوضاع على عدة أصعدة.

وتوضح الدبعي أن المدرسة مستمرة في تقديم برامج توعية مكثفة لآباء وأزواج الطالبات حول مخاطر الزواج المبكر وآثاره السلبية على مستقبل الفتاة وحقها في التعليم. كما وفرت المدرسة حاضنة أطفال داخل المدرسة، تتولى الرعاية الآمنة لأطفال الطالبات الأمهات، ما يتيح لهن حضور الدروس التعليمية دون قلق على أطفالهن.

من جانبها، تقول رغد الجابري، معلمة: "في ظل الأوضاع التي تمر بها اليمن، يُعد توفير الأمان والاستقرار للفتيات ضرورة أساسية لضمان استمرار قدر أكبر من تواجدهن في فصول الدراسة".

وتضيف: "تسببت الحرب في زيادة نسبة تسرب الفتيات من المدارس، إما لأسباب اقتصادية أو لغياب القدوة في ظل الأوضاع الحالية الصعبة، مما يتطلب تعزيز الوعي والمساهمة في تقديم حلول لبعض المشكلات الأساسية، وهذا ما نحاول القيام به".