تقرير: عبداللطيف سالمين
في أحد الأحياء الشعبية بمدينة عدن، يروي س.م، الرجل البسيط الملقب أيضاً بـ "أبو محمد" البالغ من العمر 45 عامًا، قصته لهودج.
أبو محمد، الذي يعيش مع أسرته في ظروف قاسية، لم يتمكن من الحصول على أوراق ثبوتية تؤكد هويته. هذه الأوراق، التي قد يبدو أمرها بسيطا مننظر البعض، يمكنها أن تعيق حياة كثيرين.
تزوج أبو محمد وأصبح أباً لخمسة أطفال، يعاني بعضهم إعاقات جسدية تحتاج إلى علاج ومتابعة طبية مستمرة، ورغم الحاجة الملحة للعلاج، تواجه أسرته صعوبات بالغة بسبب عدم وجود الوثائق الرسمية التي تشترطها المؤسسات الطبية والمدارس.
هذا النقص في الأوراق الثبوتية يعوق قدرتهم على تحصيل الرعاية الصحية والتعليم، ما يضيف عبئاً إضافياً على حياتهم اليومية.
تأثير نقص الوثائق على حياة المهمشين
في اليمن عموما يعاني سائر المواطنين، من صعوبات تفاقمت بفعل النزاع المسلح وتفشي الفقر. غير أن المهمشين يتحملون نصيبًا أكبر من هذا الشقاء، حيث يفتقر عشرات الآلاف منهم إلى ما يؤكد هويتهم الشخصية وبيانات حياتهم. هذه المعضلة تمنعهم من التعامل مع المؤسسات المختلفة.
الافتقار إلى الوثائق الرسمية لا يؤثر فقط على الحق في التعليم وتلقي العلاج، بل يمتد تأثيره ليشمل جوانب عديدة في حياة هؤلاء الأفراد. بداية من الحصول على جوازات السفر مرورا بتسجيل الأبناء في المدارس، وليس انتهاء بتلقي العلاج في المشافي الحكومية.
تواجه الأسر المهمشة حواجز صعبة بسبب الروتين والإجراءات المعقدة التي تتطلبها عملية استخراج الأوراق الثبوتية لأبناء هذا المكون الاجتماعي. ومع كل يوم يمر، تزداد المعاناة أكثر.
ويعتبر الأخصائي النفسي في عدن، رمز أزهر، أن غياب الوثائق الثبوتية يفاقم معاناة المهمشين، ويعزز شعورهم بالعزلة وعدم الأمان ويزيد من القلق والاكتئاب.
وأوضح أزهر: " هذه الوثائق ليست مجرد أوراق قانونية، بل هي تعبير عن الهوية والانتماء". مشيرًا إلى أن معالجة هذه المشكلة يمكن أن تحدث فرقاً ملموسا في حياتهم، وتمكنهم من الوصول إلى الحقوق والفرص مثلهم مثل الآخرين من حملة تلك الأوراق.
تمييز محدود لكن مؤثر
لا يقف القانون اليمني ضد المهمشين، لكن التعصب والتمييز الاجتماعي الممنهج يحرمهم من سبل الحصول على العدالة، عبر النظام القضائي وعلى صعيد الحكومة والسلطات المحلية والقبلية.
قد يكون التمييز ضد المهمشين في عدن أقل نسبة، مقارنة بمحافظات أخرى في اليمن، لكنه مايزال موجودا. هذا التمييز يزيد من تعقيد وضعهم، ويجعل من الصعب عليهم الحصول على الحقوق التي يحتاجونها لتحسين حياتهم.
خطة 2030 والتحديات
وفقًا للمادة 6 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، يتمتع كل فرد بالحق في الاعتراف به كشخص قانونيًا. خطة التنمية المستدامة 2030 تستهدف"توفير الهوية القانونية للجميع، بما في ذلك تسجيل المواليد". ومع ذلك، يواجه العديد من الأطفال، وخاصة المهمشين، صعوبات في الحصول على الوثائق الضرورية مثل شهادات الميلاد. تعزيز نظام تسجيل المواليد وتوفير الوثائق الثبوتية يعد أمراً حيوياً لضمان حقوق المهمشين وتحقيق إدماجهم في المجتمع.
من الوقاية إلى الحلول
تتطلب معالجة مشكلة غياب الأوراق الثبوتية دراسة معمقة للأسباب والخصائص المتعلقة بالأفراد الذين يفتقرون إلى تلك الوثائق.
وفي حين تركز بعض المؤسسات الدولية كالمفوضية السامية للاجئين وشركاؤها على تسهيل الحصول على الوثائق من خلال تقديم الدعم القانوني والإرشادات اللازمة. تتطلب تلك العملية تعاوناً شاملاً عبر الجهات المختلفة، بما في ذلك تحسين نظام التسجيل المدني وتعديل التشريعات لضمان توافقها مع المعايير الدولية.
مبادرات محلية فعالة لعلاج المشكلة
تُظهر مبادرات المنظمات غير الحكومية كيف يمكن أن يساهم الدعم المحلي في إيجاد حلول لمشكلة انعدام الوثائق الثبوتية. جمال حسن الحجري، ناشط حقوقي من محافظة الضالع، يصف تجربة منظمة البحث عن أرضية مشتركة في تحسين حياة الأسر المهمشة من خلال توفير الوثائق الثبوتية بأنها "خطوة مهمة في الطريق الصحيح".
كان مشروع المنظمة المنفذ في 2023، استهدف حوالي 400 أسرة، ساهمت نتائجه في تسهيل أمورهم وتحسين أوضاعهم الاجتماعية والمعيشية، ما يبرز أهمية الدعم المحلي في معالجة هذه القضية حد قول حسن.
ويضيف الحجري لمنصة هودج: "حين عملت على قضية الحصول على الهوية من خلال منظمة البحث عن أرضية مشتركة في محافظة الضالع العام الماضي، لمست أهمية ذلك التدخل في تخفيف معاناة الأسر التي كانت غير قادرة على تحصيل البطاقة الشخصية بسبب شح الإمكانيات وسوء الظروف المعيشية"
موضحا أن المنظمة استهدفت ما يقارب 400 أسرة من فئة المهمشين وسهلت لهم إجراءات الحصول على البطاقة الشخصية، ما مكنهم من الحصول على المعونات و الإغاثات الإنسانية.
بدائل مؤقتة
من جانبه قال رئيس جمعية "تنمية من أجل الدمج"، عبد الغني عقلان، لمنصة هودج إن ثمة حلول تم تجريبها سابقا أُثبتت فعاليتها في معالجة مشكلة المهمشين.
وأوضح عقلان أن جمعيته نفذت بالتعاون مع منظمة "البحث عن أرضية مشتركة" مشروع "وسطاء التسامح" في مديرية القاهرة بمدينة تعز، حيث استخرجت 450 بطاقة للمهمشين العام 2022، ما ساعدهم في الحصول على فرص عمل ومساعدات إنسانية وغذائية ونقدية.
وأضاف: "نجاح المشروع دفع منظمة "أوكسفام" إلى تشكيل لجان مجتمعية في مديريتي الشمايتين والمعافر واستخراج 1000 بطاقة شخصية للمهمشين والفئات الأشد تهميشاً مطلع العام الجاري 2024".
تجارب دولية ملهمة: التكنولوجيا كأداة للتغيير
في إطار سعيها لتجاوز الفجوات الاجتماعية، أطلقت حكومة الهند في 2016 مشروعاً وطنياً للبيانات البيومترية يهدف إلى تعزيز دمج الفئات الأكثر تهميشاً، حيث يتم جمع بصمات الأصابع ومسح القزحية بالإضافة إلى المعلومات الديموغرافية لإصدار رقم تعريف مكون من 12 رقماً يُعرف برقم "آدهار". ووفقاً للبنك الدولي، تمكن هذا النظام من تسجيل مايقرب من مليار شخص، ما يعادل 85% من سكان الهند، ما سهل على العديد من الفقراء الوصول إلى الخدمات الأساسية.
وفي نيجيريا، حيث لا يتم تسجيل 70% من الأطفال عند الولادة، ساعدت خدمة اليونيسيف للابتكار في تطوير أكبر نظام متنقل باستخدام الرسائل القصيرة العام 2013. وسجل هذا النظام أكثر من 18مليون ولادة، ما يسهم في تسهيل الوصول إلى التعليم والرعاية الصحية.
وتظهر هذه الأمثلة كيف يمكن للتكنولوجيا والحلول المبتكرة أن تساعد في تحسين حياة المهمشين وتقريبهم من حقوقهم الأساسية، ما يفتح آفاقاً جديدة لإدماجهم في المجتمع.