عدن – منى تركي
أسماء طالبة في الصف السادس بمدرسة العريش بعدن وهي فتاة بعينين جميلتين وروح مجدة، تمدحها المعلمات وتحبها زميلاتها حيث تقدم أداءً جيداً في المدرسة. مؤخراً، لجأت أسماء إلى معلمتها لتشكو قرار شقيقها المفاجئ بتزويجها من شاب يكبرها بعشر سنوات. تقول أسماء: " لا أريد أن أتزوج، لكنني لا أستطيع أن أعارض أخي".
الأسرة التي انتقلت من محافظة شبوة إلى مدينة عدن منذ سنوات خسرت المعيل الرئيسي بوفاة الأب، الأمر الذي دفع الأخ الأكبر إلى تزويج أخواته تباعاً، بالرغم من أن أسماء تمتلك فرصة جيدة في التعليم إلا أن الزواج بالإكراه قاصرةً يتربص بها!
اليمن واحدة من البلدان ال12 التي طالما شهدت أعلى المعدلات لزواج القاصرات حول العالم. كانت المسوحات الديمغرافية الرسمية تشير حتى ما قبل حرب 2015 إلى أن 9% من النساء اليمنيات كنّ قد تزوجن دون سن الخامسة عشرة والنسبة تقفز إلى 32% تزوجنّ دون سن الثامنة عشرة، فيما مجموعه 4ملايين امرأة و فتاة.
ذات المسوحات كانت قد خَلُصت إلى أن زواج القاصرات ظاهرة شهدت بعض التراجع في العقد الأخير ما قبل الحرب، حيث تقدم متوسط سن الزواج من 16 عاماً إلى18عاماً للإناث على مستوى البلاد.
وكانت اليمن قد شرعت في التعهد بالقضاءعلى الظاهرة بحلول عام 2030 في إطار أهداف التنمية المستدامة، إلا أن الحرب المستعرة منذ قرابة ست سنوات والأزمات التي خلقتها شكلت واقعاً مغايراً وعادت بالبلاد عقوداً إلى الوراء على جميع الصُعد التنموية بما في ذلك رتق الفجوة بين الجنسين.
اليوم يقدر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة بأن العامين 2017، 2018 زادت معدلات تزويج الفتيات دون سن الثامنة عشرة عاماً بثلاثة أضعاف وهي ذات الفترة التي فقدت خلالها العملة المحلية 70 % من قيمتها، وعادة ما تحكم عوامل أهمها الفقر، ضعف أداء المؤسسات الخدمية وانعدام الاستقرار واقع الفتيات. لكن مع وجود 24 مليون يمني في حاجة ماسة للمساعدة و2 مليون طفل يمني دون إمكانية الوصول إلى المدرسة فإن الفتيات وأسرهنّ أصبحوا في واقع غاية في الهشاشة، يضاف إلى ذلك أعباء منظومة الأعراف المحلية التي تنظر للزواج كوسيلة لحماية الفتيات وصيانة شرف الأسرة.
عدن صاحبة السجل الأفضل على مستوى اليمن بمتوسط سن زواج للإناث تجاوزال 21 عاماً في 2013 تشهد اليوم تراجع ملحوظ في سن الزواج، فما هي الأسباب التي جعلت من عدن وغيرها من المدن تُطبع مع هذه الظاهرة الدخيلة.
تحدثنا مع بلقيس محمد وهي معلمة في مدرسة العريش الأساسية والتي تشهد نسبة عالية من تسرب الفتيات، فقالت: "تعاني نسبة متزايدة من الفتيات ومنذ الصف الرابع من تعسف كبير يتمثل في حرمانهنّ من الدراسة وذلك لاعتقاد خاطئ بكون الزواج أكثر جدوى من التعليم، كم يعتصرني الألم عندما أرى طالباتي يبكينّ بحرقة عندما يجبرنّ على ترك المدرسة بغرض الزواج".
وتستطرد المعلمة بلقيس في حديثها: "يصعب علينا مواجهة ذوي الطالبات إذا ما شرعوا في تزويجهنّ، هكذا مظالم يجب أن تعالج بالقانون، لكن في ظل غياب الدولة والقانون، على المجتمع أن يحاول حماية فتياته.
وأوضحت إلى أن أحد الحلول يكمن في تفعيل مجالس الآباء في المدارس بحيث يمكن للشخصيات الفاعلة في الحي أن تضغط على الأهالي وتقنعهم بتعليم فتياتهم، وتضيف: أنا كمعلمة كثيراً ما أقف عاجزة أمام هكذا حالات وغالباً ما تطلب الفتاة ألا نتدخل لأنه لا شيء يحميها من تهديدات أسرتها التي قد تصل إلى القتل".
والعريش هو أحد الأحياء الشعبية في أطراف محافظة عدن ويشهد تراجع في الخدمات وضغط من تركيبة سكانية كثيفة غالبيتها من المهاجرين من المحافظات الريفية المجاورة في سنوات الحرب الأخيرة.
تقول منى ناصر وهي معلمة أيضاً في المدرسة العريش: عدن وبتدهور الخدمات وضعف التنمية عوضاً عن أن تؤثر في الوافدين إليها فيتمدنون، أصبحت تتأثر بهم فنلحظ حضور العادات السلبية كالزواج المبكر والوافدة على عدن بقوة بالذات في الأحياء الطرفية.
في مأساة أخرى، وهذه المرة لأسرة "عدنية" تزوجت أبنتهم سميرة ح. وهي في الخامسة عشر، الفتاة تنتمي لأسرة مكونة من أبوين جامعيين لكنهما بطريقة ما قبلا بزواج ابنتهما دون السن الآمن، بعد أقل من عام على زواجها تطلقت الفتاة وقد أصبحت أماً لطفل. عندما سألنا الأسرة عما دفعهم لتزويج ابنتهم قالوا بأن زواج الفتيات مبكراً أصبح شائعاً وأنهم لم يفكروا كثيراً في مآلاته.
عرضنا الحالات أعلاه على إخلاص محمد والتي احتكت لسنوات طويلة بالفتيات في سن المراهقة وأهاليهنّ كمختصة اجتماعية وعلقت: زواج القاصرات للأسف أصبح ملاذ لبعض الأهالي من مشاكل عديدة يواجهها مجتمعنا ابتداءً من الفقر والحاجة وليس انتهاءً بتردي الأوضاع الأمنية وغياب القانون، هو العجز والخوف من المجهول الذي يدفع الأهالي إلى هكذا خيار.
وترى محمد بأن الحل يكمن في توعية المجتمع بمضار زواج القاصرات وعواقبه خاصة تلك على المدى البعيد والمرتبطة بشعور الفتيات بالنقص وانعدام المساواة مقارنة بقريناتهنّ ممن حصلنَ على طفولة طبيعية وفرص تعليم جيدة.
من ناحيته قالت رئيسة اتحاد نساء اليمن في عدن فاطمة المريسي أن زواج القاصرات ظاهرة خطيرة، تهدد حياة الفتاة من جهة وتنقل المجتمع ككل لغياهب التخلف مع تراجع التعليم من جهة أخرى.
وعزت المريسي تفشي ظاهرة الزواج المبكر في عدن إلى اتساع رقعة الفقر والهجرة الكثيفة من الريف للمدينة، وإلى غياب نصوص قانونية تحدد سن الزواج وتفرض إلزامية التعليم، داعية إلى تنفيذ حملة إنقاذ وطني تبدأ بالتعليم وفرض إلزاميته على الفتيان والفتيات.