منى الأسعدي

"في بداية زواجي، لم أكن أعلم أنه لا يريد الإنجاب مني، وحين أخبرني بذلك صدمت ولم أعرف ما أفعل"، تقول سميرة،

وهو اسم مستعار لامرأة ثلاثينية. أرغمتها ظروف عائلتها السيئة، بالإضافة إلى العنف النفسي الذي تعرضت له من المجتمع قبل زواجها، كونها تجاوزت عمر الثلاثين دون زواج، على الزواج من رجل متزوج اشترط عليها عدم الإنجاب لاستمرار الزواج.

وتوضح: " أخشى الآن أن أكون مطلقة أو أن أرى عائلتي عاجزة عن تسديد إيجار الشقة من جديد. لهذا قبلت بشرطه بعدم الإنجاب، لكنني أشعر وكأنني فقدت ذاتي كليًا في هذه الزيجة". مشيرة إلى أن عائلتها تحصل من زوجها على مساعدة مالية وإيجار الشقة الشهري.

ليست سميرة وحدها في هذه المعاناة، فشيماء، وهو اسم مستعار لامرأة ثلاثينية أخرى، واحدة من النساء اللواتي أجبرها والدها على الزواج من شخص متزوج يكبرها بثلاثين عامًا تقريبًا باتفاق مسبق بينهما على ألا تنجب، وذلك مقابل مساعدة مالية يحصل عليها الأب بين الحين والأخر من الزوج. إذ تقول: "لم يكن لدي خيار إلا القبول بهذا الزواج". تسكت لبرهة وتتابع: "بعد طلاقي من زوجي الأول، لم يتقبلني أهلي ولا المجتمع فأرغمني والدي على هذا الزواج بالرغم من أن الحسرة تأكلني لعدم قدرتي على الإنجاب كأي امرأة أخرى، بل أنني انطويت على نفسي فلا أريد مخالطة النساء حتى لا أسمع هذا السؤال: 'ليش ما خلفتي؟".

حول هذه الانتهاكات يقول الباحث الاجتماعي، صلاح الحقب إنه مرت عليه حالات مشابهة، معقبا:" مما لا شك فيه أن السبب الرئيسي لمشكلة المرأة هنا تتعلق بالنزعة الذكورية للمجتمع". موضحا أنه يتم التعامل مع المرأة كعنصر تابع لا مستقل في الوعي الشعبي. ويضيف:" هناك أسباب أخرى أيضا، اقتصادية متعلقة بفقر الناس وعوزهم، وقانونية، تتعلق بعدم وجود قوانين تجرم الآباء الذين يمارسون سلطتهم سلبا ضد بناتهم بشكل مخل دينيا وأخلاقيا".

تصاعد العنف

أدى الصراع في اليمن إلى تفاقم التمييز ضد النساء اليمنيات بشكل أكبر. وأصبحت المرأة في اليمن تواجه ظروفًا وتحديات قاسية تهدد حقوقها الأساسية أكثر من أي وقت مضى. وفقا لـ "صندوق الأمم المتحدة للسكان"، فقد زاد العنف ضد المرأة في اليمن بنسبة 63٪ منذ تصاعد النزاع عام 2014.

وفي تقرير صدر عن الصندوق في مارس 2023 بعنوان "تفشي العنف ضد النساء والفتيات وسط الصراع المستمر في اليمن"، تم الكشف عن أن حوالي 7.1 مليون امرأة في اليمن بحاجة ماسة إلى خدمات عاجلة لحمايتهن ومعالجة آثار العنف القائم على النوع الاجتماعي.

في هذا الجانب يقول مشير عبد القادر، مدير إدارة الدفاع الاجتماعي بمكتب الشؤون الاجتماعية والعمل - ذمار: "الحرب في اليمن زادت كثيرا من العنف ضد النساء بسبب حالة الفقر الذي أصبحت تعيشها الأسر، وهو ما أدى إلى تزايد رغبة الأهالي بتزويج بناتهم للتخلص من عبئ المسؤوليات المالية تجاههن أو رغبة في الحصول على دعم مالي من وراء هذا الزواج، بدون النظر إلى تكافئه". مشيرا إلى أن استمرار الحرب في اليمن وما خلفته من فقر هو السبب الرئيسي في قبول الأهالي بتزويج فتياتهم زواجا غير مناسبا كالزواج المشروط بعدم الإنجاب.

ويضيف أن هناك عوامل أخرى كالعوامل الثقافية التي لا تتعامل مع المرأة كإنسان له كافة الحقوق الإنسانية، فهي تُعنف وتُحرم من التعليم وبالتالي تُصبح هشة نفسيا كما أنه لا يمكنها الحصول على وظيفة تعتمد بها على نفسها ما يجعها تدخل في دائرة خوف من المستقبل خصوصا إذا تقدم بها العمر الذي يتسبب لها بحالة تنمر مجتمعي، إذ تُنعت بأوصاف مسيئة مختلفة، كل هذا يدفعها للرضوخ لزوج قد يصل به الأمر حتى حرمانها من حقها في الأمومة، فتشعر المرأة أنها مُستغلة على الدوام ويخل ذلك بالنسيج الاجتماعي إذ ترتفع نسب الطلاق والعنوسة وتزداد معدلات الإجهاض والعنف الأسري الموجه نحو النساء.

حق مكفول

الشرع الإسلامي والقانون اليمني يكفلان حق الزواج للمرأة والرجل." قد نظم القانون اليمني ذلك في قانون الأحوال الشخصية، موضحًا ذلك في الباب الثاني بعنوان "انعقاد الزواج وأركانه وشروطه"، بحسب المحامية أمل الصبري.

" كما أن حق الإنجاب مكفول للزوجة، ولا يجوز مثل هذه الشروط أثناء العقد أو بعده باعتباره شرطًا باطلًا ومخالفًا للقواعد الواردة في قانون الأحوال الشخصية". معقبة أنه مر عليها حالة واحدة من قبل، حيث ادعت زوجة أن زوجها عندما علم بحملها بعد الزواج طلب منها إجهاض الجنين كونه متزوجًا ولديه أطفال. وبعد أن رفضت الإجهاض، تعرضت للعنف والضرب واضطرت لمغادرة منزل الزوجية ولجأت إلى القضاء. معقبة: "لكن الزوج أنكر ذلك جملة وتفصيلًا، بينما أصدر القاضي حكمًا لصالح الزوجة المدعية وألزم الزوج بكل الحقوق الزوجية لها ولطفلها.

موصية:" لا يجوز لولي الأمر أن يعقد مثل هذه الاتفاقات كونها نوع من أنواع الاتجار بالبشر ومخالفة لكل القوانين الدولية والمحلية".

رجل الدين عبد الله بن عثمان يقول: "يعتبر هذا النوع من الزواج مسألة قديمة، وقد أفتى فيها العلماء قديمًا بأن هذا الشرط شرط باطل وينافي أصل الزواج". ويعقب: "هذا الزواج صحيح، لكن الشرط باطل، ويحق للزوجة أن تخالف زوجها على ما شارطها عليه".

تجربة محورية

تقول منيرة النمر، معالجة نفسية إكلينيكية، إنه مر عليها كثير من الحالات المشابهة لنساء تزوجن تحت شروط تنتهك حقوقهن الأساسية، ويعود ذلك إلى عدة أسباب منها التنمر المجتمعي بألفاظ مسيئة،" ذلك يدفعها للزواج من شخص قد لا يوفر لها أدنى حقوقها الزوجية"، تقول النمر. مضيفة: "تجربة الأمومة تعتبر تجربة محورية في حياة المرأة، لها تأثيرات نفسية متعددة، منها أنها تمنح المرأة شعور الانتماء والقوة، وهو جزء كبير من حياتها وقيمتها". فقدان هذا الحق قد يعرضها للصدمات التي من أسوأ تأثيراتها أنها تؤدي إلى فقدان الهوية الشخصية، تضيف النمر.

تعرف هيئة الأمم المتحدة العنف ضد المرأة بأنه أي فعل عنيف تدفع اليه ويترتب عنه أذى أو معاناة للمرأة سواء من الناحية الجسمانية أو النفسية أكان حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة. على المرأة المعنقة مواجهة هذا العنف وطلب المساعدة لتجاوزه، كما أن قضايا المرأة تتطلب دعما مجتمعيا وتعزيز لغة الحوار مع النساء ومساعدتهن على تجاوز التحديات النفسية والثقافية"، توصي النمر.